العرب اليوم
ناهض حتّر
بالامس، هاتفني عشرات الاصدقاء من المثقفين والسياسيين والاعلاميين، معربين عن الأسى والغضب ازاء الصفقة المحتملة لبيع كنيسة ومدرسة «الفرير» في جبل الحسين. وقد تداولنا، في المناقشات الهاتفية، فكرة انشاء منظمة للدفاع عن تراث عمان القديمة، المعماري والحضاري.
لقد سبق لأمانة عمان ان هدمت فندق فيلادلفيا بالقرب من المدرج الروماني. وتقوم مكانه الآن «الساحة الهاشمية»، المكتظة بالاكشاك والمطاعم والمقاهي الرديئة النوعية. وقد اصبح المكان «بؤرة» كريهة، اجتماعياً وبيئياً.
وفندق فيلادلفيا هو اول فندق درجة اولى في البلاد. وشهدت اروقته، زهرة النشاط الاجتماعي والثقافي والسياسي الأردنى في الثلاثينات والاربعينات والخمسينات. ويكفي انه شهد، في13/4/1957، حفل التوقيع على الغاء المعاهدة الاردنية -البريطانية. يومها اعلن رئيس الوزراء الراحل سليمان النابلسي تتويج نضال الاردنيين، خلال 28 عاماً من التضحيات، بالنصر لكن هدم المبنى التاريخي… كان هزيمة للروح الوطنية الاردنية، استغرقت ساعات.
أما دماء مقهى الجامعة العربية في وسط البلد، فانها لم تجف بعد. وقد رأينا، آسفين، كيف ان صرخات الاحتجاج انتهت باهتة، ولم تستطع منع الجريمة العلنيّة.
آلاف الاردنيين – وأنا منهم -هزهم الاسف وتملكتهم الحيرة لازالة مباني القيادة العامة للجيش العربي من العبدلي… بل ان اجيالاً من المعتقلين السياسيين السابقين، تحسرت على هدم مبنى «الفندق الازرق» في الشميساني، مع ان ذكرياتهم، في هذا المبنى، أليمة.
لكن الانسان هو الذاكرة. وعمليات الهدم المستمرة لتراث عمان المعماري، هي عملية هدم للذاكرة المدينية، تحول دون التراكم اللازم لتحويل عمان من مكان للسكن -ينتمي قاطنوه الى ذاكرتهم خارجه -الى مدينة لها وجدانها الخاص، ونسيجها الاجتماعي –الثقافي… ما يجعلها، في النهاية، «رابطة العقد» في التكوين الاردني الحديث.
كنيسة «الفرير» تحديداً -كانت صدمة، ربما لأنها كنيسة! وربما لانها ترتبط بمدرسة خرجت اجيالاً من ابناء عمان، تشكل «المدرسة» بالنسبة اليهم، الوجدان المشترك الوحيد. ولذلك، فان جبهة الغاضبين لهدمها، تشمل علمانيين مثلي، ورجال دين مسيحيين، وأبناء الكنيسة، ومثقفين اسلاميين، ومواطنين… يوجعهم أن عمان تهرب من بين ايديهم… وقلوبهم.
ذاكرة المكان هي الوطن!! وقد آن الأوان، حقاً لإنشاء حركة تدافع عن عمان القديمة، وربما تصبح هذه الحركة «حزب عمان» مدينتنا التي لا بواكي لها.