العرب اليوم
ناهض حتّر
• بيروت…
البحر هادئ؛ وحزب الله، مجدداً، في الصدارة!
وكنا، مع المحللين نظنّ أن حزب الله تراجع إلى الصفوف الخلفية، وأنه يواجه جملة مآزق:
فإثر النصر المدوّي الذي أحرزه الحزب بإجباره المحتلين الإسرائيليين على الانسحاب قسراً من الجنوب اللبناني، ارتسمت حدود سياسية جديدة، قيدت نشاط المقاومة الإسلامية والوطنية في لبنان، فقد أخذت رئاسة الجمهورية على عاتقها–وهذا طبيعي-التصدي للمعركة الدبلوماسية من أجل امتثال إسرائيل للقرار الدولي 425. وقد خاض رئيس الجمهورية العماد إميل لحود وفريقه في مؤسسة الرئاسة، هذه المعركة، بكفاءة واقتدار وشبراً شبراً على طول الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة بين لبنان وإسرائيل. بيد أن المعركة نفسها، بخضوعها لمعايير المنظمة الدولية، عزلت، فعلياً، «حزب الله»، سياسياً، سيما وأن أصواتاً لبنانية عديدة، ومن اتجاهات مختلفة، أعلنت، صراحة أو ضمناً، أن المهمات الباقية غير المنجزة على أجندة المقاومة (وهي الانسحاب الإسرائيلي من مزارع شبعا، والإفراج عن الأسرى اللبنانيين لدى تل أبيب، وعودة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى ديارهم) ينبغي أن تُحل بالجهود الدبلوماسية.
ثم اندلعت «معركة» الانتخابات النيابية اللبنانية، بكل ما شابها من مجابهات فئوية وطائفية، وما تخللها من تحالفات مستجدة، قلبت الصورة، وسمحت للمعارضة اللبنانية (وهي خليط سياسي من قوى المارونية السياسية والسنية–الحريرية والدرزية الجنبلاطية وبقايا اليسار اللبناني) بتحقيق اختراقات نيابية مهمة، بينما ألزمت المعطيات الإقليمية والمحلية، حزب الله، بتقييد نفسه بالتحالف مع قوائم السلطة، والحصول على حضور نيابي لا يعكس، ولو جزئياً، حضوره السياسي.
وفي الجو السياسي الجديد الناجم عن نتائج الانتخابات النيابية، ارتفعت الأصوات المعارضة (وخصوصاً من قمم المارونية السياسية) عالياً، للمطالبة بانسحاب القوات السورية من لبنان، وإعادة هيكلة مجمل العلاقات السورية–اللبنانية وهذا المطلب، يتضمن، بطبيعة الحال، الدعوة إلى تحجيم حليف سورية الاستراتيجي في لبنان، أي حزب الله، خصوصاً في ظل هجمة إعلامية مثابرة للمعارضة تنادي بأن تحل قوات الجيش اللبناني محل قوات الحزب في المناطق الحدودية.
أثناء ذلك، كان حزب الله، على حد تعبير مصدر إعلامي مقرب منه، “يفاجئ نفسه بقدرته على الانضباط”. وتابع “لم يرتكب الحزب ولا غلطة واحدة في الجنوب المحرر، ووضع كل إمكاناته في خدمة الأهالي بلا تمييز”، بل وبدا أنه يتحول إلى “مؤسسة اجتماعية مدنية”، وعلى الصعيد السياسي، نأى الحزب بنفسه عن المعارك الإعلامية والمناوشات الطائفية، وتابع استراتيجيته المبنية على أساس واحد هو تحشيد كل القوى وكل الإمكانات في المجابهة مع إسرائيل، فحزب الله “يقبل الجميع، متدينين وعلمانيين، من كل الطوائف ومن كل الاتجاهات السياسية، وليست لديه أي اشتراطات للتحالف سوى شرط واحد، العداء لإسرائيل.” وهذه الاستراتيجية هي التي تحكم خط الحزب على المستوى العربي والإقليمي والدولي:
فلا تنظيم لحزب الله خارج لبنان
وهو يبدي أقصى قدر من التفهم لظروف البلدان العربية، ويسعى إلى إقامة علاقات ودية مع العرب، بدون المشاركة في المجال السياسي العربي.
إلّا أن تحالفاته الأساسية تظل بالطبع في خط دمشق-طهران، ولكن في ظل المبدأ ذاته، إدامة المقاومة ضد إسرائيل.
وبالرغم من عقائديته، وإيمانه بأن المعركة ضد إسرائيل هي معركة شاملة وتاريخية، فإن الحزب يبدي انضباطاً لا يتزحزح بالقانون الدولي والقرارات الدولية، ما يعطي نضاله مصداقية عالية ويوسع دائرة أصدقائه.
وفي كل ذلك يضع حزب الله مصلحة لبنان وشعبه وأمنه الوطني في المقام الأول، فيتحرك بروح المسؤولية الوطنية وفي الإطار الذي يجنب لبنان وأهله كل خسارة وكل دم، ليسا ضروريين ضرورة مطلقة، لتحقيق النصر العياني، في الظروف العيانية.
وهكذا، لم يخسر حزب الله مواقعه. وحين هبّ الفلسطينيون والعرب في مجابهة العدوان الهمجي الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، كان الجهاز الوحيد الكفؤ الذي يملكه العرب هو حزب الله الذي أفاد على الفور من سقوط المعادلات السياسية التي قيدته منذ الربيع الماضي، لكي يوجه إلى إسرائيل ثلاث ضربات موجعة: رد صاروخي مؤثر على قيام الإسرائيليين بإطلاق النار على مظاهرة لبنانية-فلسطينية على الحدود، وأسر ثلاثة جنود إسرائيليين من مواقعهم العسكرية، ثم أخيراً اعتقال عقيد في الاستخبارات الإسرائيلية، وهذه العمليات الثلاث، تمت، جميعها، في إطار الشرعية الدولية، فالصواريخ انهالت على مزارع شبعا، والجنود الإسرائيليون أسروا منها. ومزارع شبعا منطقة محتلة ومفتوحة، حسب القانون الدولي لأعمال المقاومة… بينما اعتقل الجاسوس الإسرائيلي على أرض لبنان بالذات فاعتقاله عمل سيادي.
ويلاحظ أن عمليات حزب الله هذه، بالإضافة إلى تقيدها بالقانون الدولي وإلى دقتها وكفاءتها، قد أكدت من جديد، وبالدرجة الأولى، المطالب اللبنانية:
فهي أعادت، سياسياً وعسكرياً، طرح قضية الاحتلال الإسرائيلي لمزارع شبعا بحيث أصبحت إسرائيل أمام خيار الانسحاب منها أو صيرورتها ميداناً للمقاومة.
وهي أعادت وبقوة طرح قضية الأسرى اللبنانيين بل وربطتها بقضية الأسرى الفلسطينيين والأردنيين-لدى إسرائيل وأصبح من الواضح أن اضطرار إسرائيل للإفراج عن هؤلاء أو معظمهم غدا مسألة وقت، وعندما يتم ذلك، سوف يظهر للعرب جميعاً أن خيار حزب الله هو الخيار الوحيد الكفؤ في مجابهة العدوان الإسرائيلي.
وإلى ذلك، فإن تجديد نشاط المقاومة في جنوب لبنان سوف يجدد، حكماً طرح قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، ويفتح آفاقاً واسعة أمام إمكانية حلها على أساس العودة في شروط غير متاحة لبلدان اللجوء الأخرى.
«… لقد مضى ذلك الزمن الذي كان فيه لبنان نقطة ضعف العرب» هكذا، بتواضع المجاهدين يلخص الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إنجازات الكفاح اللبناني وربما يترك لنا ان نفكر في الكيفية التي اصبح فيها لبنان حقاً «نقطة القوة» … عند العرب!
بيروت…
البحر هادئ، ولكنه عميق وبلا حدود!
نسائم الحرية… تنعش القلب، وصحبة الاحرار بلسم.0
حزب الله مجدداً في الصدارةلبنان: استراتيجية المقاومة في دروب الانتصار
Posted in Uncategorized.