ناهض حتّر
سبقت “العرب اليوم” الى الكشف عن سلسلة مواقف «التحدي الداخلي» التي اطلقها الامين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله. وقد كتبتُ، هنا – الاثنين 11 ايلول – ان حزب الله قد نفد صبره ازاء الهجوم السياسي المتواصل الذي تشنه قوى 14 شباط على الحزب وحلفائه، وخصوصاً «التيار الوطني الحر» بزعامة الجنرال ميشال عون.
ولقد لاحظنا صمت حزب الله على الاذى، وخشيته من استخدام «فائض القوة» الذي يملكه داخلياً، واستمراره – بعد انتصاره في المواجهة مع اسرائىل – في استراتيجية الحفاظ على الوحدة الوطنية بأي ثمن، بينما قد تكلفه هذه الاستراتيجية، انتصاره وهيبته وسلاحه وحلفاءه الداخليين.
لقد اعلن نصر الله انه يعتز بتحالفه مع سورية وايران في مقابل تحالف الاخرين مع اسرائىل وامريكا، لكن المضمون الاساسي في مواقف نصر الله الجديدة، انما يكمن – تحديدا – في اعلانه اولوية تحالفاته الداخلية اللبنانية على ضرورات المعادلة الاقليمية التي كانت تلجم حزب الله عن الداخل، وتضطره الى تفادي الصدام مع القوى اللبنانية المضادة، حرصاً على دور الحزب .. وعلاقاته على المستوى الاقليمي.
وفي رأيي ان حزب الله قد حسم امره – نهائىاً – باتجاه «اللبننة»، وقد اصبحت تحالفاته مع التيار الوطني الحر واللقاء الوطني وسليمان فرنجية وعمر كرامي والشيوعيين والسوريين القوميين الخ تهّمه اكثر، بل قل هي محور اهتمامه الرئيسي، قبل – وربما على حساب – تحالفاته الاقليمية.
لقد اكتشف حزب الله – اثناء الحرب وبعدها – ان المعادلات الداخلية هي التي تحمي سلاحه، وانه من المستحيل الحفاظ على سلاح المقاومة ونهج المقاومة، من دون اصلاح الدولة اللبنانية، وتغييرها، وان الحياد في الصراع السياسي الداخلي لم يعد ممكناً في مواجهة ائتلاف 14 شباط المدعوم امريكياً ودولياً، والمصمم على استخدام القرار الدولي 1701 وتفسيراته الامريكية – الاسرائىلية وتفعيل قوة «اليونفيل» لاحداث انقلاب سياسي داخلي يشطب كل قوى المقاومة والمعارضة في لبنان، لصالح قيام نظام متأمرك.
وبما ان هذا «الانقلاب» غير ممكن، من دون نزع سلاح المقاومة، فقد اعطت قوى 14 شباط لهذه المهمة، اولوية مطلقة. وهي توظف كل طاقاتها واستئثارها بمواقع السلطة، وعلاقاتها العربية والدولية، لتحقيق هذا الهدف، بينما هي تعمل على نسف تحالفات حزب الله السياسية في الداخل.
في هذه اللحظة القلقة الصعبة، اعلن نصر الله، بيان الوفاء لحلفائه اللبنانيين، مؤكدا – بصورة قاطعة – انه لن يسير خطوة واحدة ولن يعقد اتفاقاً من دونهم .وعّد نصر الله هذا الالتزام «اخلاقياً» قبل ان يكون سياسياً.
نصر الله – كعادته – لم يقطع الطريق على ائتلاف 14 شباط، داعيا خصومه الى الاعتراف بمعادلة وطنية جديدة لا تستبعد 75 بالمئة من اللبنانيين عن القرار السياسي، مثلما هو حاصل الآن.
حزب الله لن ينجرّ – حتما – الى حرب اهلية، ولن يلطخ شرف سلاح المقاومة في الصراع السياسي الداخلي، لكن تلاقي حجم حزب الله الجماهيري والسياسي والمعنوي، وحجم حليفه الاساسي «التيار الوطني الحر» وفصائل الحركة الوطنية اللبنانية، يسمح بقيام جبهة وطنية للتغيير تمثل الاغلبية، اهميتها «1» انها تقوم على قاعدة مبدئىة للاصلاح والعدالة وتوحيد الجماهير وفق معيار المواطنية، وتمثل – بالتالي – اول محاولة جدية للخروج من الطائفية «2» وتشكل، اذا، القاعدة الاجتماعية الوطنية الراسخة للمقاومة ونهجها وسلاحها.
وبعد، فهذه اول الثمار السياسية للنصر، في لبنان، اعني نشوء خط التغيير الوطني الديمقراطي العروبي.. وعندما يتبلور هذا الخط في جبهة ..وسلطة، فان الثمن الذي دفعه اللبنانيون في الحرب، سيكون مبرراً.