حراك… داخل البعث العراقي

ناهض حتّر
يكتظّ بريدي الالكتروني بمواد اخبارية وبيانات، تتعلق بالحراك السياسي الحالي داخل حزب البعث العراقي. لقد تمكن حوالي الألف كادر بعثي – معظمهم من العسكريين – عقد مؤتمر قطري للحزب في دمشق، الاحد الماضي، وانتخاب قيادة قطرية جديدة تقطع الصلات، التنظيمية والسياسية، مع القيادة التقليدية للحزب بزعامة عزة الدوري، والتي دانت، على الفور، «المنشقين» بقيادة محمد يونس الاحمد، ثم ما لبثت ان واجهت انشقاقا ثانيا، باسم «البعث- القيادة الميدانية»، وهي – حسب بيانها- ما تزال ترتبط بتراث الرئيس الراحل صدام حسين، ولكنها تنعى على القيادات البعثية السابقة، مغادرتها للعراق بعد الاحتلال، واستخدام الوسائل الدعائية للسيطرة على الحزب، من خارج البلاد. والى ذلك، هناك اشارات تؤكد وجود مراكز قوى اخرى داخل البعث- منها عائلة الرئيس الراحل – ومن المنتظر ان تظهر الى العلن قريبا.
وانا اشارك اولئك الذين ينظرون بسلبية الى تلك التطورات – ومنهم البعثيون الاردنيون – مخاوفهم من ان تؤدي الانشقاقات في البعث العراقي الى اضعاف فعاليته في اطار المقاومة – غير انني أرى، ان الحراك البعثي الحالي كان «يتخمر» منذ الاحتلال الامريكي للعراق في نيسان ،2003 ونهاية نظام البعث وتجربته المعقدة في الحكم. وهذا الحدث التاريخي هو من الضخامة بحيث لا يمكن القفز عنه من دون مراجعة شاملة، فكريا وسياسيا، وتنظيميا، وفي رأيي ان هذه «المراجعة»، بحد ذاتها، هي دلالة على حيوية الحزب وقدرته على تجديد نفسه. وقد تأخرت كثيرا. ودفع العراق غاليا ثمن هذا التأخر.
كانت «المراجعة» تلك، ضرورية وحاسمة وممكنة في التسعينيات ولو حدثت ربما كانت مكنت العراق من مواجهة الغزو الامريكي، بمجتمع موحد، ومقاومة موحدة، بل ربما كانت منعت الغزو، اصلا، بابطال ادواته السياسية «المعارضة الامريكية» وتعزيز قدرات الدولة، واخراجها من العزلة المحلية والاقليمية والدولية، وبالتالي: تصعيب مهمة الغزاة.
ثم كان الاحتلال … واصبحت مراجعة التجربة البعثية، ضرورة حياة للحزب .. والمقاومة.. والمشروع الوطني العراقي. لكن «النقد الذاتي بعد الهزيمة» لم يحدث وجرت اعادة انتاج الافكار والاساليب السلطوية نفسها التي كانت سائدة قبل الاحتلال. وبالنتيجة، خسر العراق، فرصة إحياء الحركة الوطنية في ظل المقاومة. وتحولت المقاومة نفسها، بعد ربيع ،2004 شيئاً فشيئاً، الى الاسلمة والتسنّن، وهو اتجاه صبّ، في النهاية، في عوامل الانشقاق المذهبي، وأطال عمر الاحتلال ومشروعه السياسي في العراق.
سيكون الحراك الداخلي في البعث العراقي، صعباً، وسيؤدي الى خسائر تكتيكية. وسيكون من العسير، بالطبع، معرفة اي من الاتجاهات المتصارعة، هو الاقرب الى القدرة على جمع الصفوف والاستجابة للضرورة التاريخية لتجديد حزب البعث، لا كصدى لتجربة السلطة، ولكن كتعبير عن اتجاه رئيسي في الحركة الوطنية الشعبية العراقية.
يملؤنا الامل – بل نحن محكومون بالامل- في ان يتلاقى الحراك البعثي مع حراك شيوعي ويساري واسلامي تقدمي، في سياق اعادة بناء المنظور الوطني والحركة الوطنية في العراق.
فمعركة هذا البلد- المستهدف بسبب امكاناته التنموية والدفاعية والقيادية في المشرق العربي- هي معركة طويلة ومعقدة ودامية، وفي مواجهة جبهة واسعة- واحياناً متناقضة- من الاعداء الكواسر، الامبريالية والصهيونية والشوفينية الفارسية والرجعية العربية، والكمبرادور العراقي، وقوى التقسيم المذهبي والاتني، والتخلف السياسي لتيارات جماهيرية تسعى للانتحار الذاتي!
ولا يمكن للعراقيين الانتصار على هذه الجبهة، مجتمعة، من دون نظرية وطنية تأسيسية وحركة وطنية متحدة لا غنى لها عن «البعث»، ولكن بصفته حزبا وطنيا شعبيا، متحررا من عقابيل التجربة السلطوية.

Posted in Uncategorized.