أمس الجمعة, نفّذ إرهابيو ‘القاعدة’, عمليتين انتحاريتين ضربتا مقرين أمنيين في قلب دمشق. إنها البداية فقط, فقد تسللت إلى سورية, مجموعات إرهابية بالمئات من العراق ولبنان. والأسوأ أن ما يسمى ‘ الثورة السورية’ تمنح الإرهابيين, الحاضنة الاجتماعية اللازمة.
هكذا, اتضح نوع الحرب المقررة ضد سورية; العمليات الإرهابية الانتحارية المغطّاة بدخان كثيف من الحملات الإعلامية والضغوط السياسية. وهي حرب مدمرة منهكة لا تنفع معها قوة الجيش, ولا ملايين المحتجين على التدخل الخارجي, ولا الحوار الوطني, ولا التسويات السياسية, ولا حتى تنحي الرئيس … فالتحالف الغربي التركي القطري يستهدف الدولة السورية نفسها, بقصد تفكيكها وتكسير وحدتها وتحطيم منجزاتها وشل الحياة المدنية على أرضها وذبح نخبها وإعادتها إلى عصور الظلام.
أغلبية الشعب السوري وقفت مع الدولة – وليس بالضرورة مع النظام – وشكلت حصنا لمواجهة العصابات المسلحة والتدخل الخارجي في الشؤون السورية. الجيش السوري متماسك وأظهر قوته وقدراته التسليحية الجديدة التي شلت خيارات التدخل الإقليمي من خلال مناطق عازلة اتضح أنها مستحيلة, أما الولايات المتحدة المنسحبة من ورطة العراق الدامية فليست في وارد تكرارها, وسيناريو القصف الجوي لحلف النيتو تعرقله روسيا والصين. ماذا بقي, إذاً, غير الإرهاب.
العمليتان الانتحاريتان في قلب دمشق – على قسوتهما وخطرهما – وضعتا النقاط على الحروف فيما يتصل بحقيقة الصراع الدائر في سورية وحولها. لم يعد الحديث عن ثورة شعبية وسلمية له أي معنى, بل لم يعد الحديث عن الإصلاح أو التغيير الديموقراطي سوى ثرثرة سوداء هدفها تغطية الإرهاب. ومن الآن فصاعدا, هنالك خندقان لا غير; خندق الإرهاب الطائفي والمذهبي والنيتو وواشنطن وقطر وتل أبيب أو خندق سورية العربية المستقلة الموحدة ذات النظام الاجتماعي التقدمي. وكل ما عدا ذلك لغو يصبّ في الخندق الأول.
نلتفت الآن إلى تزامن ضربة القاعدة مع وصول مراقبي جامعة الدول العربية إلى دمشق. هذا التزامن ليس مصادفة, بل هو ضربة متعمدة لجهود التسوية, فلن يكون أمام الدولة السورية اليوم – بعدما استهدف الإرهاب عاصمتها – من خيار سوى التشدّد الأمني والمواجهة المفتوحة, مما يعيد الوضع إلى المربع الأول ويُفشل تلك الجهود, كذلك, لم تعد مساعي روسيا للتوصل إلى صيغة توافقية دولية حول سورية ممكنة. ويشير كل ذلك إلى أن البدء بالهجمات الإرهابية في قلب دمشق, ليس قرارا لمنظمة إرهابية وإنما هو قرار اتخذه الحلف الاستعماري الرجعي أو أحد أطرافه.
ولا تبتعد تفجيرات دمشق عن مثيلاتها في العراق. فالإرهاب يضرب في البلد الذي حقق للتو جلاء الغزاة الأميركيين وأظهر نزوعا للتضامن مع سورية في مواجهة الحلف الاستعماري الرجعي. الخلفية التكفيرية نفسها والأدوات الإرهابية نفسها وأهداف تفجير المنطقة لحساب واشنطن المدحورة والخليج المرعوب من المحور الإيراني – العراقي – السوري – اللبناني هي نفسها.
في المعركة الحاضرة لا يستطيع الأردن أن يصطفّ إلا مع نفسه, ومع مصالحه الاستراتيجية في الحفاظ على الدولة والكيان والاستقرار ومنع تسلل ‘ القاعدة’ و’ فتح الإسلام’ و’ جند الشام’ إلى البلاد وتكوين سياق سياسي للوطن البديل مدعوم بالتمرد المسلح والإرهاب, تحت شعارات دينية.
وللدفاع عن الأردن, لا عن النظام السوري, مطلوب اليوم وقفة تضامن مع الدولة السورية ضد الإرهاب, مطلوب وقف وتجريم كل أشكال التحركات المشبوهة المؤيدة للإرهاب والإرهابيين في الأردن تحت شعار ‘ نصرة الثورة السورية’, مطلوب المبادرة إلى تعاون أمني فعال مع السوريين لمحاصرة الإرهاب واستئصاله في البلد الجار ومنعه من التسلل إلى ديارنا.
الحرائق التي تلتهم دمشق نيرانها قريبة منا, قريبة أكثر مما تتصورون! .
العرب اليوم