منذ استولت أجهزة المخابرات التركية والخليجية والأطلسية على الحراك الشعبي السوري، وحوّلته إلى حملة إرهابية ضد الدولة والمجتمع في سورية، قلنا، مرارا وتكرارا، إن الإرهاب سوف ينتقل إلى الأردن.
وحين خضنا معركة فكرية وسياسية في مواجهة القوى الداعمة للمجموعات المسلحة والإرهابية في البلد الجارّ، فلأننا كنا ندرك أن تمجيد البنادق والمتفجرات والسيارات المفخخة ومدافع الهاون، تحت اسم ‘ الثورة’، سوف يخلق البيئة الفكرية والسياسية لاستيلاد الشبيه في الأردن.
وكم مرة، دعونا الحكومة الأردنية إلى إدانة العمليات الإرهابية في سورية، من دون جدوى؟ وكم مرة أكدنا أننا لا ندافع عن نظام الرئيس بشار الأسد، ولكننا ندافع عن سلامة بلدنا؟ وكم تحمّلنا من الاتهامات من دون أن نتزحزح عن رؤيتنا للخطر المحدق بعمان من التهليل ل أو الصمت على التفجيرات في دمشق وحلب.
أعلنت المخابرات الأردنية، أمس الأحد، أنها أحبطت عملية إرهابية كبرى كانت تستهدف حيّ عبدون الحيوي غربيّ عمان. وقالت وكالة الأنباء الأردنية ( بترا) إنه تم إلقاء القبض على خلية إرهابية مرتبطة بتنظيم ‘ القاعدة’ مكونة من 11 أردنيا عادوا من سورية. وكشفت التحقيقات أن الخلية الإرهابية أعدت ‘ خطة متكاملة’ لضرب أهداف مدنية ودبلوماسية في آن واحد، باستخدام عبوات شديدة الانفجار وسيارات مفخخة وأسلحة رشاشة ومدافع هاون، جرى جلبها من سورية.
وما هي إلا ساعات حتى كان مسلحون قادمون من الحدود السورية يهاجمون نقاطا عسكرية أردنية ما أدى إلى استشهاد جندي أردني في خبر نقلته عمون فجر الاثنين.
تنظيم ‘ القاعدة’ الناشط في سورية، إذاً، يحاول الانتشار باتجاه الأردن؛ بدأ بإعادة أعضائه الأردنيين إلى بلدهم، ليس للراحة وإنما للعمل. وإذا كانت خلية ‘ القاعدة’ الأولى قد وقعت في قبضة الأمن، فمن الواضح أن البلاد قد وقعت في مجال النشاط الإرهابي المقرر إقليميا. فهل يكون الهدف متعلقا بخلق منطقة فوضى جديدة تؤمن سيولة الرجال والسلاح إلى جنوبي سورية أم أنه تقرر افتتاح جبهة جديدة في الأردن، تفيد من حالة الاحتقان السياسي داخله؟
أعضاء خلية ‘القاعدة’ التي وقعت في كمين استخباراتي، ليسوا من منتسبي التيار السلفي الجهادي الذي أعلن عن وجود 250 مقاتلا من رجاله في مهمات في سورية، من أصل عديد التيار البالغ 5000 . وهو ما يشكّل جيشا جاهزا من الشبكات الإرهابية التي يمكن لخلايا من ‘ القاعدة’ أن تقودها وتجهّزها وتزوّدها بالمال والأسلحة والخبرات.
نحيي، بالطبع، الجهود الأمنية التي أوقعت بخلية ‘ القاعدة’ الإجرامية، لكن متى كانت مكافحة الإرهاب شأنا أمنيا؟ الجهد الأمني هو مجرد جانب فقط من جوانب المواجهة مع الخطر الإرهابي. وهو لن ينجح طالما كانت هناك قوى سياسية تمجّد الإرهابيين في سورية وتعتبرهم ‘ ثوارا’، وطالما أن السياسة الرسمية حيال السلفية الجهادية بالغة الغموض بين توجهات لرعايتها وأخرى لمكافحتها، وطالما أن الحكومة الأردنية لا تتخذ موقفا سياسيا صريحا يدين الإرهاب في البلد التوأم.
عملية عبدون فشلت، لكن ماذا عن الخطط اللاحقة؟ وماذا عن العلاقات الخاصة مع الداعمين الإقليميين للقاعدة؟ وماذا عن المناخ السياسي والثقافي الذي يمجد الإرهاب ويزيّنه في عيون الشباب، ويربطه بالثورة والاصلاح والحرية الخ ؟
الأردن مستهدف ليس فقط في أمنه واستقراره، وإنما في وجوده الكياني ودولته الوطنية، وقد آن الأوان لاتخاذ سلسلة من الإجراءات السياسية والإعلامية الجريئة للدفاع عن البلد، وفي مقدمتها:
أولا، تفعيل قانون مكافحة الإرهاب ليس فقط ضد دعاته، وإنما، أيضا وبالدرجة نفسها، ضد المحرضين والداعمين والمؤيدين، بأي شكل من الأشكال، للجماعات المسلحة والإرهابية في سورية،
ثانيا، وقف السياسة الغامضة المضطربة حيال كل أصناف الجهاديين، والتراجع عن نهج التذاكي باستخدام فريق ضد آخر، أو استخدام السلفيين ضد الإخوان المسلمين الخ والتخلي عن أوهام إدارة وضبط المجموعات الإرهابية،
ثالثا، الإدانة الحكومية الصريحة والمثابرة لكل عمل إرهابي في سورية، وذلك بغض النظر عن أي بعد سياسي. وعلى الحكومة والقوى السياسية الأردنية، بمن فيها الإخوان، أن تبادر إلى صياغة موقفها من سورية على أساس التفريق بين دعم المطالب الشعبية وبين الرفض الحازم لعسكرة الحراك والإدانة القاطعة للجماعات المسلحة والإرهابية،
رابعا، التعاون الأمني الشامل مع الجانب السوري لتأمين الحدود من الجانبين،
خامسا، وقف التعاون مع الجهات العسكرية والأمنية الأميركية والأطلسية، فبالإضافة إلى أن حضورها يشكل، بالأساس، خرقا دستوريا ومساسا بالسيادة الوطنية، فإن أحدا لا يصدّق أن هؤلاء الذين يدعمون المجموعات الإرهابية المنطلقة من تركيا وسورية، يتبعون في الأردن سياسة مضادة.
سادسا، وقف التنسيق كليا مع أي طرف في المجموعات المسلحة في سورية‘ فهي كلها تقدم نموذجا لا نريد أن يتسرب إلى الأردن، وهي كلها إرهابية، وتشكل، فيما بينها، شبكة متداخلة لا يمكن التعامل مع أحدها من دون التورّط في التخديم على سواها.
سابعا، وقف سياسات التأزيم الداخلي واطلاق سراح معتقلي الحراك، والشروع في محاورته، والتراجع عن أي إجراء إضافي يزيد ظروف الفئات الشعبية سوءا.