خلال الأيام القليلة الماضية، تصاعد الحديث عن الكرامة في الاعتصامات والوقفات وحرق المؤسسات والاعتداءات على مقيمين والبيانات والهتافات والإذاعات والمواقع الألكترونية الخ، جراء الإهانة التي لحقت بثلاثة بعثيين على أيدي حرس السفير العراقي.
بين الطرفين، كما هو معروف، خصومة سياسية لا علاقة لها بالأردن، ولكن، بما أن المتضررين أردنيون، شاشت مشاعر الكرامة الوطنية، تغذيها جهات تعمل على زرع الأحقاد الطائفية وتدفع بالشباب نحو ارتكاب الجرائم ؛ فقد تبارى البعض في تخصيص مكافآت مالية لمن يسحق موظفي السفارة العراقية، حتى الإخوان المسلمين ثارت ثائرتهم لصالح خصومهم التاريخيين، في مواجهة العدو ‘ الشيعي’ المشترك!
حلو .. ما ينقصنا ، بالفعل، هو الكرامة التي طالما أهدرتها السياسات الرسمية، في كل المجالات، نحن نتبع السياسة الأميركية، لا استراتيجيا، بل بالقطعة، ويوما بيوم، نحن نستقبل الجنود الأميركيين، في العام 2003 ننخرط ضد عراق صدام حسين، واليوم ضد سورية بشار الأسد.
مع إسرائيل، نتعامل وكأن صلفها قدر محتوم، ونتمسك بسلام غير عادل، لم يسترجع حقوق الفلسطينيين في الدولة وعودة اللاجئين ، ولم يسترجع حقوق الأردنيين في الأرض والمياه والأمن وعودة النازحين، وكلّ هذا السلام، لا يسعفنا في تحرير أسرانا لدى العدو، وحتى حين يعلن هؤلاء الأسرى، الإضراب عن الطعام، لا نجد لنضالهم صدى لا رسميا ولا شعبيا.
دعوني أذكّركم ـ مثلا ـ بسفارة الكيان الصهيوني بعمان.. علم الاحتلال يرتفع في سماء عمان بينما تعرفون، بالطبع، أن هذا الكيان كان قد اغتصب فلسطين وشرّد أهلها واحتل الضفة الغربية والقدس، وما يزال، وينكّل بالفلسطينيين ويواصل تهجيرهم، ويدفع نحو تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن. يتدخل العدو في مشاريعنا الكبرى، يرفض أو يوافق بعد وساطات وتلبية الاشتراطات.
بالمناسبة، أين وصل مطلب الاجماع النيابي على تجميد ومراجعة معاهدة وادي عربة؟
بالمناسبة، أيضا، هل جاء شمعون بيريز إلى الأردن ليعتذر عن الاعتداءات الصهيونية على الأقصى ، المنطلقة في الاسبوع التالي لتوقيع اتفاقية وصاية عمان على المقدسات؟
ف … شو بخصوص الكرامة؟
هل تريد أيها الأردني أن تشعر فعلا بأنك عزيز في موطنك؟ اذهب إلى الباقورة المستعادة ـ إن استطعت ـ من دون تصريح أمني، لكن حاذر من قطعان الخنازير الإسرائيلية التي يطلقها أصحابها لترعى في الأراضي المستعادة، بينما لا يمكنك أنت أن تصطاد عصفورا في أرضك وأرض أجدادك
الخليج يتعامل معك كشحّاذ، الولايات المتحدة تراك أداة يمكن استخدامها في لحظة، وتركها لمصيرها في لحظة!
الفاسدون طلقاء، ويحضر بهلوانهم ، بلا حياء، في دافوس البحر الميت.. أموال الفساد حوِّلت من البلد، ومنهج الخصخصة وحرية السوق، ذاك الذي دمّر دولتك وفككها وأدخلها في أزمة اقتصادية ومالية ووجودية، ما يزال يتحكم في مستقبلك!
وفي الداخل، يعاملونك أيها النشمي كفائض سكاني متخلف لا غير .. أنت متعيّش ومتطلّب وعشائري وسبب كل المشاكل! رأيك ومصلحتك وأحزابك وحراكك وبرلمانك .. وكل ما لديك من حضور وكرامة، لا تعادل الأمر الصادر من صندوق النقد الدولي بزيادة أسعار الكهرباء من مطلع تموز
في يوم كرامتك الوطنية بالذات، يوم الاستقلال، يعقدون منتدى دافوس في بحرك الميت، ويمنعونك من السير إليه، ويعيدون عرض الأفلام القديمة ذاتها، في هذا المحفل المعادي لانسانيتك ولقمة أطفالك؛ سوف تمطر سمنا وعسلا، يأتي بهما المستثمرون المغرمون بسواد عيون الأردن!
في يوم كرامتك، يوم الاستقلال بالذات، نحتفل بزيارة رئيس كيان الاحتلال، شمعون بيريز، وبداعية الحرب على سورية، المهووس جون ماكين، ( بالأساس، يدهشني أن أحدا من المسؤولين لم يفكر لحظة بأن عقد منتدى دافوس في الاردن في يوم استقلاله، خطأ جسيم وإهانة للمشاعر الوطنية)
قبل حادثة الاشتباك البعثي ـ المالكيّ، في المركز الثقافي الملكي، كان اتجاه صعود الحس الجماعي بالكرامة الوطنية، ماض نحو هدفه الصحيح: إسرائيل التي تعتدي على أرواحنا في القدس الشريف، وعلى حقوق فلسطين، وتاليا على كياننا واستقلالنا، والتحالف الأميركي الخليجي الذي يريد زجنا في الحرب على سورية. فجأة، تم افتعال أجواء حرب البسوس، والعداء للعراق وللعراقيين، واطلاق جرثومة الطائفية !!
لا أستطيع أن أصدّق أن كل ذلك جاء على سبيل المصادفات: جهة ما ، جهات ما أعادت توجيه فيض الشعور بالكرامة الوطنية نحو العراق والشيعة، بحيث لا يبقى منها شيء للاستقلال ومعناه، وللغضب على تدنيس يومنا المقدس بالامبرياليين والصهاينة… يا حيف!