ناهض حتّر
الجنوب راية.. لا ديمغرافيا!
.. والجنوب رؤية.. لا جغرافيا!
…
هذا ليس شعرا، بل خلاصة اجتماعية -سياسية تاريخية. فللجنوب الاردني وزن نوعي في ماضي البلاد -البعيد والقريب- وحاضرها.. ومستقبلها. وتمثيله السياسي، تاليا، لا يقاس بالارقام.. بل بالقيمة والمعنى والحضور السياسي والدور.. والامكانات.
هنا، صنع الادوميون والمؤابيون، لحظة الكيان الوطني الاولى. وهنا شقت السماء امجاد الملك ميشع. وهنا انطلق التجسيد الاكثر بهاء في تاريخ بلدنا لفكرة الاردن-الدولة الاقليمية في مملكة الانباط.. وهنا، قاتل المتحد الفلاحي-البدوي عن استقلاله الاهلي في مواجهة العابرين من ابراهيم باشا (ابن محمد علي) الى سامي باشا العثماني. ففي الكرك، بدأ القرن العشرون الاردني بانتفاضة العشائر على العثمانيين. ومرة اخرى، روت الدماء، الارض، وازهرت معاني الفداء من اجل المجتمع وحريته. وفي الكرك ايضا، الّف الفكر السياسي المحلي الخّلاق، النسيج البديع للاندماج الاهلي الذي يستوعب، بعبقرية، الانقسام الديني، ويمنح للزمان والمكان، الهوية المشتركة.
حضور الجنوب في التكوين الاردني الحديث، هو حضور تأسيسي مركزي لا يدانى.. فقد منح الجنوب للدولة الاردنية، صلابتها التكوينية واغلى رجالها سوف تتذكر، هنا، على التحديد، مؤسس الحركة الوطنية الاردنية، ورئيس المؤتمر الاردني التأسيسي، حسين الطراونة.
الجنوب هو الذي منح للنظام الاردني وللمعارضة الاردنية معا، الحيوية والمثقفين: افضل الضباط وافضل الوزراء واهم الشيوعيين والبعثيين وايضا: اهم المثقفين العرب، غالب هلسا!! وذلك قبل ان يختتم الجنوب، القرن، في عام 89 مهمة التغيير الديمقراطي.
اراضي الجنوب، البكر، مستودع ثروات معدنية وزراعية ومائية وامتدادات مكانية، كلها، لا غنى عنها من اجل مستقبل الاردن التنموي.
محاولة المساس بالتمثيل السياسي للجنوب، ليست «وجهة نظر»، بل اعتداء على ثوابت الكيان والهوية، وتجريح بالوجدان الاعمق للشعب الاردني.
بالمناسبة: المحافظة المظلومة في حجم التمثيل السياسي في البرلمان ليست عمان -كما يشاع- بل محافظة اربد، التي لن يخطر على بال اي من ابنائها، الاساءة الى جنوب القلب! بل اولئك هم الكمبرادوريون، الذين يرون في حجم التمثيل السياسي للجنوب، عقبة كأداء في وجه مشاريعهم لتحويل الاردن الى «منطقة حرة» للبزنس المتوحش والمضاربات والعمولات.