ناهض حتّر
لا افهم – اطلاقا – موقف مجلس نقابة المهندسين، الرافض بشدّة، اخضاع اموال النقابة لتدقيق ديوان المحاسبة، وقد أفهم، بالطبع، ان تكون لدى »المجلس«، ملاحظات حول آليات وتقنيات التدقيق، وضمان عدم التدخل في قرارات النقابة المالية او عرقلتها. لكن ملاحظات كتلك لا تستوجب الرفض والاعتصام والتصعيد، بل الحوار مع ديوان المحاسبة، للتوصل الى بروتوكول خاص يزيل الالتباسات، ويضمن رضا الطرفين.
لكن اصرار مجلس نقابة المهندسين على رفض التدقيق على اموالها من قبل هيئة عامة مستقلة وذات صدقية مثل »ديوان المحاسبة« – من حيث المبدأ – له معنيان:
الاول- وجود مخالفات واستعمالات غير نقابية لاموال النقابة او حتى فساد – لا سمح الله – بحيث يتحسب »المجلس« من التدقيق.
والثاني- ايمان »المجلس« بأن النقابة هي »جزيرة سياسية – مالية« ذات سيادة خاصة تعلو على السيادة الوطنية العامة!
والمعنى الاول خطير لكنني لا أرجّحه احتراما للقيادات النقابية – ومعظمها من الصف الوطني والاسلامي – لكن المعنىالثاني هو الاخطر. وقد يقول قائل ان السيادة الوطنية تُنتهك في مواقع عديدة واساسية، وبرضا حكومي او حتى بقرارات حكومية. وهذه الملاحظة صحيحة. ولطالما تصدّى الوطنيون والاسلاميون لتلك الانتهاكات وادانوها، ومن غير المنطقي ان ينسجوا هم على منوالها ايضا.
معارضة السياسات الرسمية، الخارجية والداخلية، هي حق دستوري صريح للمواطنين والهيئات والنقابات، وانا اراها – المعارضة – حقا وواجبا. لكن معارضة السياسات شيء، ومعارضة السيادة شيء آخر.
ولقد ربحت النقابات المهنية، دائما، معاركها مع الحكومات التي حاولت، من دون جدوى، حرمان الهيئات النقابية من ممارسة حقها الدستوري في النشاط السياسي. وهي ربحت تلك المعارك، لان الرأي العام الاردني -بكل اتجاهاته الرئيسية- وقف وراء النقابات، بصلابة، خصوصا وانها سجلت تقاليد مشرفة في مقاومة التطبيع مع العدو الاسرائيلي، والتضامن مع الاشقاء في فلسطين والعراق ولبنان، والانتصار لقضايا العروبة والاسلام.
غير ان مقاومة التطبيع ومناصرة المقاومة العراقية والفلسطينية واللبنانية، لا تمنحان للنقابات ان تتحول الى »جزر سياسية-مالية« خارج السيادة الوطنية، ولا تمنحانها الحق -خصوصا- في رفض التدقيق على اموالها. وفي هذه »المعركة«، بالذات، احسب ان نقابة المهندسين سوف تخسر تأييد الرأي العام، بل والغالبية العظمى من اعضائها.
ذلك انه من حق المهندسين اولا، ومن حق المجتمع ثانيا، الاطلاع والرقابة على مالية نقابة المهندسين -وهي تشكّل احد الكيانات المالية الكبرى في البلاد- وافضل من يقوم بهذه المهمة، هو »ديوان المحاسبة« المشهود له بالكفاءة والمهنية والصدقية.
وقد يقال ان الرقابة -في النقابات- ذاتية. وهذا صحيح. ولكن بالنظر الى ان النظام الانتخابي في النقابات المهنية، هو النظام الاكثري الذي يحرم الاقلية من التمثيل والمشاركة، ويسمح بانفراد تيار سياسي واحد بادارة النقابة وتشكيل هيئاتها، فسوف نكون امام »صندوق مغلق« تكون فيه السلطات التنفيذية والرقابية، مملوكة لتيار سياسي واحد، متضامن، مغلق هو الاخر.
والحل، في رأيي، هو الاتي:
(1) اعتماد النظام الانتخابي النسبي، فلا يضيع اي صوت هدرا، وتتمثل، بالتالي، جميع الاتجاهات في الهيئات القيادية للنقابات. وهو ما يكفل، بحد ذاته، انشاء نظام رقابة ذاتية، يحافظ على مصالح النقابات والاعضاء.
(2) ولكن -مع ذلك- يبقى حق المجتمع في الرقابة المالية على هيئاته النقابية قائما. وهذه مهمة »ديوان المحاسبة«