ناهض حتّر
الازمة المالية والاقتصادية الراهنة، ناجمة، مباشرة، عن تضافر عاملين: ارتفاع اسعار واوهام التقديرات الخاصة بالمساعدات والمنح الدولية. وبالمحصلة. تواجه الموازنة العامة، عجزاً غير مسبوق، ولا تجد الحكومة امامها حلاً سوى رفع الدعم عن المحروقات. وهو ما سيؤدي الى ارتفاعات متتالية – ولا يمكن احتسابها – في تكاليف انتاج السلع والخدمات، وتكاليف المعيشة، ويُضعف الطلب المحلي، ويشل الاقتصاد والمجتمع معاً.
السببان المباشران للأزمة ليسا عارضين، بل انهما مرشحان للتفاقم فربما يصل سعر برميل النفط الى 100 دولار، في حين ان المساعدات الخارجية مرشحة للتضاؤل.
الا ان جذور الازمة هي ابعد من الاسباب العارضة. فالسياسات الاقتصادية لليبرالية الجديدة هي المسؤولة عن انكشاف الاقتصاد الاردني امام المؤثرات المستجدة. ومن هذه السياسات الخصخصة التي افقدت الخزينة مصادر دخل متجددة، لصالح عوائد بيع غير متكررة، جرى انفاقها.
وكذلك، تراجع ضريبة الدخل لصالح الضرائب غير المباشرة «واهمها ضريبة المبيعات» وهو ما يخلق فجوة اجتماعية اكثر اتساعاً بين الاغنياء والفقراء، ويحد من الطلب المحلي وبالتالي من الاستثمارات المحلية، خصوصاً المتوسطة والصغيرة. وذلك لأن ضريبة المبيعات تهدر القدرة الشرائىة والادخارية للمواطنين.
والى ذلك، هناك الانفاق العجيب في الاموال العامة في برامج التحول الاستثماري والاجتماعي وسواها. التي هي موضع تساؤل من حيث جدواها.
وقدم الليبراليون الجدد المهيمنون على القرار الاقتصادي، سلسلة من الاعفاءات والتنازلات لما يسمى جذب الاستثمارات «ومعظمها لا يولد فرص عمل او يعتمد على العمالة الاجنبية» في حين شهدنا سنوات من التهاون في تحصيل حقوق الخزينة، في كل المجالات.
والليبراليون الجدد المغرمون بالعروض الحاسوبية المزوقة، لم يخطر لهم، ابداً وضع – وتنفيذ – اية خطة استراتيجية لبناء احتياطي نفطي، او اعادة بناء شبكة المواصلات والنقل بالاعتماد على القطارات، او اعادة تأهيل الصناعات باستخدام الغاز او خفض النفقات الحكومية جذرياً ضمن خطة محكمة او انشاء شبكة من المشاريع الصغيرة المتعاضدة مع فرص التصدير التي اتاحتها الاتفاقات الدولية. فما خرجنا به من تلك الاتفاقات هو التزامات مرهقة «مثل دفع تكاليف الحقوق الفكرية بالاسعار الدولية» او بيع حصصنا التصديرية، من الباطن، لشركات اجنبية في ما يسمى المناطق الصناعية المؤهلة.
نهج كامل يجب مراجعته في وقفة وطنية عاجلة، لكي يتفهم العقل الجمعي الاردني، الاستحقاقات الصعبة التي تواجهه.