ناهض حتّر
انتقلت «الخصخصة» في الاردن من اداة فنية هدفها تصفية شركات خاسرة او الحصول على تقنيات جديدة او تحسين الادارة او تعميق الاستثمارات – فيما كان يعرف بالمكاسب المتوخاة من «الشريك الاستراتيجي» – الى الخصخصة الشاملة، العقائدية الهادفة الى نزع الملكية العامة للمؤسسات الاقتصادية والخدمية في اطار جدول زمني متسارع، ثم انتقلنا من الخصخصة الشاملة الى بيع الموجودات الوطنية بما فيها العقارية، بحيث انه من المنتظر الغاء كل اشكال الملكية العامة في كل المجالات من دون قيد او شرط، في غضون خطة عاجلة وسيكون معيار نجاح هذه الخطة هو تجريد الحكومة المركزية من كل استثماراتها وممتلكاتها. بما فيها ذات الطابع الاجتماعي او الاكاديمي او الطبي او الثقافي او الرياضي، في غضون بضعة اعوام.
ان الحديث الراهن عن اغلاق المديونية العامة في وقت قياسي، قد يكون هو المفتاح لموجة ثانية عميقة من الخصخصة وبيع الموجودات الوطنية. وربما كانت الارتفاعات المتتالية في اسعار العقارات، والتي شهدها الاردن في العام ،2005 هي التي حفزت افكاراً جريئة ببيع المدينة الرياضية التي اصبحت الان في قلب عمان، وبناء بديل عنها في مكان ابعد، حيث الاراضي اقل سعراً، هناك من يحشد لهذا الرأي، ايضاً، بالقول ان احتشاد وشغب مشجعي كرة القدم، لم يعد محتملا في شوارع حيوية من العاصمة، ما يجعل نقل المدينة الرياضية وملاعبها ومبارياتها وشغب المشجعين الى اماكن ابعد في الاطراف. وقد تكون هذه الحجة صحيحة اذا توفرت الاموال اللازمة لبناء مدينة رياضية اخرى – ربما اصبحت تكلفتها الان بمئات الملايين من الدنانير – وكذلك، اذا كان المنوي تحويل المدينة الرياضية الى متنزهات عامة ومرافق للانشطة الاجتماعية والثقافية. ولكن استهلاك اراضي المدينة الرياضية، عقارياً في مولات وفلل واسواق، سوف يغلق هذا المتنفس الحيوي، مقابل حصيلة مالية سوق يتم اقتطاع جزء منها ل¯ «تشجيع الاستثمار» وجزء اخر كبير لبناء مدينة رياضية اخرى، ولن يفضل بعد ذلك سوى القليل للمساهمة في سداد المديونية.
وليس مستبعدا ان تكون المحصلة اعباء جديدة على الخزينة، المحصلة المالية نفسها قد تكون هي النتيجة الممكنة من خصخصة الجامعة الاردنية التي قد تتملكها شركة تستفيد من استثمار المساحات الخضراء المتبقية من حرم الجامعة وتحقق ارباحا خيالية، وفي الوقت نفسه تشغيل الجامعة على اسس تجارية، تحرم الفئات الاجتماعية الشعبية والمتوسطة نهائيا من امكانية التعليم الجامعي، وهو ما سيكون له آثار لا يمكن احتسابها في اضعاف قدرة المجتمع الاردني على توليد الكادرات. والمطروح، بقوة، على قائمة الخصخصة في المستقبل المنظور هو مطار «الملكة علياء الدولي» الذي تنوي الحكومة تحويله الى مستثمر يقوم ببناء التوسعات المطلوبة «بقيمة 300 مليون دينار» وادارة الخدمة والتشغيل، وبالنظر الى ضعف التكوينات الرأسمالية المحلية، فمن المرجح ان يكون مستثمر «مطار الملكة علياء الدولي»، اجنبيا. المفارقة الحاصلة هي وجود ودائع تصل الى حوالي 14 مليار دينار في الجهاز المصرفي الاردني دون ان يكون هناك منظمون اقتصاديون محليون قادرون على تحويل هذه الاموال الى استثمارات فاعلة. وهكذا، فان المستثمر الاجنبي هو الذي يتولى القيام بدور المنظم الاقتصادي مستخدما الموجة الجديدة من الخصخصة الاتية بقرار مسبق، تطرح على بساط البحث جملة من المسائل التي لم يعد ممكنا تجاوزها وهي: اولا- اجراء مناقشة وطنية حول حدود واهداف المرحلة الثانية من الخصخصة وبيع الموجودات الوطنية، واخراجها من الغموض والمفاجآت والتجزئة الى العلنية والوضوح والتخطيط على اسس تجارية صارمة، وربطها بتحقيق اهادف اقتصادية محددة في جدول زمني محدد «سداد المديونية، انجاز استثمارات جديدة الخ».
ثانيا- دراسة الابعاد الوطنية والاجتماعية والثقافية والسياسية لمشاريع الخصخصة والبيع وخصوصا لجهة احتساب تكاليفها الاقتصادية-الاجتماعية على المديين المتوسط والبعيد.
ثالثا- تحفيز التكوينات الرأسمالية المحلية على التبلور ومنحها الاولوية ليس فقط للحيلولة دون انتقال المؤسسات والملكيات الوطنية الى الاجانب ولكن ايضا، ل¯ «تعقيم» المدخرات الاردنية، اي جعلها فاعلة اقتصاديا.