جائزة للمضاربين…

ناهض حتّر
الربح الرأسمالي هو الربح المتحقق جراء ارتفاع قيمة الأصول، كالأراضي والعقارات والأسهم والسندات ووسائل الانتاج. وذلك على أساس مرجعيّة الأسعار الثابتة – فارتفاع أسعار الاصول نتيجة التضخم، لا يعتبر، بالطبع، ربحاً.

وقد استبعدت الاقتراحات الحكومية الخاصة بالمشروع الجديد لقانون ضريبة الدخل، فرض الضريبة على الارباح الرأسمالية، تحاشياً للآثار المترتبة على كلف الانتاج. وهي نظرة صائبة فما يتصل بالقطاع الصناعي والتجاري. ففي هذين القطاعين قد يؤدي فرض الضريبة الرأسمالية إلى نتائج سلبيّة مباشرة على ديناميكية التشغيل، وزيادة في اسعار السلع والخدمات. لكن استبعاد الضريبة على الأرباح الرأسمالية كلياً، هو بمثابة جائزة للمضاربين العقاريين والماليين. وهم الفئة التي تحقق اكبر الارباح في السوق الاردنية، من دون تحمل اعباء المغامرة او الجهود التشغيلية او خلق فرص العمل.

يشتري المضارب العقاري، قطعة أرض بمبلغ «سين» ويبيعها بعد بضعة اشهر بمبلغ «سين+» وقد يحقق أرباحاً تصل إلى 500 بالمئة – كما حدث في حالات واقعية- ومن غير المعقول ألاّ يكون هذا الربح خاضعاً لضريبة الدخل، بينما تخضع رواتب الموظفين ودخول المهنيين من الشرائح الدنيا للطبقة الوسطى «25000 دينار سنوياً» إلى ضريبة بنسبة 25 بالمئة!

لماذا ترتفع قيمة الأراضي والعقارات بسرعة وبارقام فلكية؟ يحدث ذلك نتيجة عدة عوامل، أبرزها تطور البنى التحتية والخدمات التي تدفع خزينة الدولة كلفتها، كذلك ، نتيجة الاستقرار السياسي والأمني في اقليم مضطرب، والهجرات من العراق وفلسطين. ويفيد المضاربون العقاريون من هذه العملية، من دون ان يقدموا، بالمقابل، أي جهد من أي نوع، ولتصحيح هذا الخلل، ينبغي ان يكون قانون ضريبة الدخل هو أداة الدولة والمجتمع في استرداد حصتهما من أرباح الأراضي والعقارات، بما لا يقل عن 50 بالمئة، لتمويل البنى التحتية والخدمات والأمن والاستثمارات الضخمة المطلوبة في مجال المياه.

فما هو المعيار الذي نعتبر بوساطته، الربح الرأسمالي في الأراضي والعقارات، ناجماً عن المضاربة او خاضعاً بالتالي، لضريبة الدخل؟

المعيار هو استعمال أو النية في استعمال الاراضي والعقارات المشتراة، لأغراض السكن او الاستثمار او حتى الادخار. وترجمة ذلك هي الاحتفاط بالمُلْكية لمدة أربع سنوات على الأقل.

وفيما يتصل بشركات الاستثمار العقاري- التي تخضع لضريبة الدخل الخاصة بالشركات- فإن عليها ان تكون مستعدة للخضوع إلى الضريبة على الأرباح الرأسمالية، حين تطالب بإعادة تقييم أصولها، ورسملة الزيادة في قيمة هذه الأصول.

وسيكون لكل ذلك آثار إيجابية على تهدئة وتنظيم سوق العقارات، والتوصل إلى معادلات موضوعية للأسعار، وتشجيع الاستثمارات في هذا المجال.

وفيما يتصل بالسوق المالي، فإن اخضاع الأرباح الرأسمالية المتحققة في الأسهم التي يتم بيعها خلال أقل من ثلاثة أشهر من تاريخ امتلاكها، هو آلية فعالة للحدّ من المضاربات، أو إعادة نسبة لا تقل عن 25 بالمئة من تلك الارباح إلى المجتمع والدولة. ومدة الشهور الثلاثة هي الفترة اللازمة للاطلاع على النتائج الربعيّة للشركات، واتخاذ القرار الاستثماري المبني على المعطيات، وليس على المضاربات التي تعتمد على المؤثرات النفسية والسياسية والتسريبات الاعلامية والشائعات إلخ وكلها مؤثرات غير موضوعية وضارة بالاقتصاد الوطني.

والضريبة على الربح الرأسمالي في الاسهم، لا تمنع لنشاط المضاربين، ولكنها تأخذ حقوق المجتمع والدولة من هذا النشاط. اما عندما يحقق المضارب خسارة، فهذا شأنه كمقامر.

***

ليس عادلا ولا معقولا، تحصيل ضريبة الدخل من الموظف والمهني والمزارع والصانع والتاجر، واعفاء المضاربين العقاريين والماليين منها! فالتفاوت الهائل في الدخول بين المضاربين والمنتجين، هو الذي يجمد الاستثمارات الصناعية والزراعية لصالح سوق العقارات والمال، وهو الذي يدفع بألمع الاطباء والمحاسبين والمهندسين إلى الاتجار بالعقارات، بدلا من صبّ جهودهم على تطوير قدراتهم المهنية، وتعزيز ادوارهم الاجتماعية والسياسية والثقافية.

***

لقد آن الاوان للنظر إلى «ضريبة الدخل» ليس كأداة جبائية، ولكن كأداة رئيسية بيد الدولة للتدخل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي، خصوصا في ظل انعدام الادوات الاخرى التي سقطت بالخصخصة.

Posted in Uncategorized.