خلال الشهر الماضي, حدث هبوط غير مسبوق في أداء الحكم, وتجلى ذلك في حالة من الغموض والفوضى; أفعال بلا فاعلين, وقرارات بلا مقررين, وسياسات بلا رؤية ولا مدافعين.
لا تخطىء عين المراقب حجم الضغوط والمداخلات التي مورسَتْ على أعضاء مجلس النواب, لثنيهم عن الموافقة على إحالة ملف الفوسفات إلى القضاء. لكنني كنتُ أحسب أن وراء ذلك صفقة مقترحة ستنجلي بسرعة, ومفادها: ‘خذوا العنب واتركوا الناطور’! وبغض النظر عن رأينا في صفقة كهذه, فهي تدلّ على وجود قرار له منطقه الداخلي ونتائجه العملية. ويمكن سحب هذا المنطق على الملفات الأخرى كلها, بحيث يتم طيّ قضايا الخصخصة والفساد وإستعادة الأموال والأراضي, وديا, بحيث يتم التوصل, في النهاية, إلى معالجة عملية لتلك القضايا وإغلاق السجال بشأنها.
تبيّن أنه ليست هنالك صفقة ولا منطق ولا قبول بالتعامل الجدي مع مطلب لم يعد ممكنا تجاهله, ليس فقط من وجهة نظر شعبية, ولكن, أيضا, من وجهة نظر المصالح الاستراتيجية للنظام السياسي الذي يواجه ضرورة إستعادة الثقة العامة.
حكومة عون الخصاونة التي تدعي بأنها حكومة ولاية عامة ومحاربة فساد, كانت في مقدمة القوى الضاغطة لإفشال تحويل ملف الفوسفات إلى القضاء. ومن الواضح أن الرئيس الخصاونة شعر بأنه في مأزق. وبدلا من إنخاذ قرار عاجل بتصحيح الوضع في الفوسفات, إستهون أن يقوم حليفه ووزيره للإعلام بإطلاق تصريحات تستجيب للغضب الشعبي, وتقرّ بأن خصخصة الفوسفات مجرد مسرحية كان هدفها وضع الثروة المعدنية الأهم في البلاد في جيب رجل واحد سمّاه بالإسم. وهو وليد الكردي.
هل تتضمن هذه التصريحات رسالة مفادها أن الحكومة مقتنعة بالتقرير النيابي, وتريد القيام بالإجراءات التصحيحية في الفوسفات, لكنها لا تستطيع بسبب الضغوط من أين هي, إذا, الولاية العامة?
ينطبق ذلك على الزيادة في تعرفة استهلاك الكهرباء. هل اتخذت الحكومة, القرار وفق رؤية ودراسة, أم أنها خضعت لأمر? وهل تراجعت عن القرار بسبب النتائج غير المدروسة أم بسبب الاحتجاجات أم رغبة في قذف المسؤولية إلى ملعب حكومة لاحقة? بالنتيجة, تبين أنه لا توجد سياسة حكومية في المجال المالي, ولا فهم للمشاكل الإقتصادية. لكن ما حدث أن الإرتفاعات في أسعار السلع والخدمات, الناجمة عن القرار المؤجل بزيادة تعرفة الكهرباء, لم تتراجع.
تتنصّل جميع أطراف الحكم من قرار إعتقال نشطاء الطفيلة. مدير الأمن العام حسين المجالي قرأ, في مؤتمره الصحافي, شعرا في مديح الحراك الأردني, وأكد ما لا نختلف عليه من ان الانتماء للحراك لا يحصّن المتحركين الذين يخترقون القانون. لكنه لم يستطع أن يفسّر لماذا جرى خلط الحابل بالنابل, واعتقال نشطاء ملتزمين وخارجين على القانون في سلة واحدة. مَن قرّر ذلك الخلط, واستخدمه إعلاميا للإساءة إلى الحراك? ومَن يتخذ القرار في هذا المجال? مصادر مقربة من الجهات الأمنية المعنية سياسيا, تنكر أن لها أي دور في مواجهة الحراك. فمَن إذاً?
أوساط حكومة الخصاونة تساهر قيادات الإخوان المسلمين حتى الفجر, للتوافق على نظام للإنتخابات العامة, متجاهلة كل القوى والآراء الأخرى. فهل جرى تفويض الطرفين? أم أن الخصاونة يمارس الولاية العامة في مجال واحد هو التفاهم مع ‘ الإخوان’?
أراهن إذا كان هنالك مَن يستطيع أن يرسم لنا خطوط السياسة الرسمية المقررة في المالية العامة, أو الأزمة الإقتصادية, أو الموقف من مطالب الحراك, أو محاكمة الفساد, أو الخطة الأمنية, أو الموقف من النظام الإنتخابي أو الموقف من التدخل في سورية أو مضمون العلاقة مع السعودية أو حتى مخالفات السير. بل أراهن ما إذا كان هناك سياسة رسمية واحدة ومقررة بالأساس. هنالك جائزة بانتظار القارىء الذي يساعدني على تفكيك هذا اللغز.
(العرب اليوم)