ناهض حتّر
قرر قسم من الايرانيين. مقاطعة الانتخابات الرئاسية. وحركة المقاطعين هذه لن يكون لها، على الفور، ثقل حاسم في السياسة الايرانية، لكنها ستكبر تباعاً، وربما تهدم أسس النظام السياسي الايراني. ولذلك، فقد هاجم مرشد الجمهورية الاسلامية في ايران، علي خامنئي، المقاطعين بشدة، ووصفهم بانهم «عملاء لامريكا واسرائيل».
السياسة الرسمية لطهران تتساوق مع الاحتلال الامريكي في العراق استراتيجياً فهي تدعم المحتلين، أمنياً وسياسياً، ليس فقط للتفاهم مع واشنطن حول العلاقات الثنائية، بل لمنع العراق من النهوض مرة اخرى. وهذه مصلحة ايرانية استراتيجية تلتقي مع اسرائيل التي تريد هي الأخرى، العراق مجزأ وضعيفاً.
ولذلك، فان حديث خامنئي عن العمالة لامريكا واسرائيل، مثير للضحك، لكنه يعبر عن مدى شعور الملالي بخطورة بروز تيار مقاطعة الانتخابات في ايران. إذ يشكل هذا التيار، تحديداً، المعارضة الديمقراطية الاكثر جذرية للنظام، ويهدده في العمق. وهو يعبر عن مصالح الشعوب الايرانية، ولا علاقة له بامريكا واسرائيل كيف؟.
النظام السياسي الايراني هو نوع خاص فريد من جمهورية ثيومقراطية، أو قل «ديمقراطية» مقيدة بالحكم المطلق لولاية الفقيه «مرشد الجمهورية» وأركانه من رجال الدين، ويضبطها مجلس عرفي هو «مجلس صيانة النظام». وهذه هي الثيوقراطية.
المواطن الايراني يقترع، في انتخابات شبه حرة، برلمان الجمهورية ورئيسها لكن التشريعات البرلمانية والقرارات الرئاسية، تخضع ل يتو مرشد الجمهورية ومجلس صيانة النظام، والمحاكم الدينية، والميليشيات المسماة «الحرس الثوري» وقيود هذه القوى الثيوقراطية، هي التي افشلت البرامج والجهود الاصلاحية للرئيس محمد خاتمي، الذي انتخبته اغلبية من الشباب والنساء والفقراء من أجل تحديث البلد وتوسيع هامش الحريات السياسية والمدنية والثقافية وكسر الاحتكارات والامتيازات التي يحظى بها تحالف كبار التجار ورجال الاعمال مع كبار الملالي. لكن خاتمي لم يستطع ان يفعل شيئاً على الرغم من اخلاصه وشعبيته وشبكاته السياسية. وهو ما كشف المنصب الرئاسي – بالنسبة للايرانيين – على حقيقته، باعتباره «فالصو»… منصباً شكلياً.
هكذا، في الثيومقراطية الايرانية، تصبح مقاطعة الانتخابات – وليس المشاركة فيها – هي الممارسة الديمقراطية الحقيقية، من أجل تغيير جذري في النظام السياسي يسمح بتشكيل السياسات وفقاً لارادة الايرانيين ومصالحهم… لا على أساس ارادة ومصالح الحكم المطلق لرجال الدين وحلفائهم التجار والقوميين الفرس.