ستة نشامى من منتسبي قواتنا المسلحة، ارتقوا، اليوم، شهداء على أيدي الإرهابيين، وأربعة عشر جريحا؛ بينما لم تجفّ، بعد، دماء خمسة شهداء ارتقوا في عملية مخابرات البقعة.كمّاشة الإرهاب تضغط على قواتنا المسلحة من الداخل والخارج، ولسوف يزداد ضغطها؛ ولم تعد عنجهيات المترفين والسياسيين وتحليلات ‘ الخبراء’ مقبولة؛ هؤلاء ليسوا على خط النار، ولا أبناؤهم المحظوظون يجابهون الموت؛ دقت ساعة الحقيقة.. وبات علينا أن نعترف بالتهديدات الإرهابية التي تتقصد بلدنا، من الداخل والخارج، ونضع حدا للاسترخاء الأمني و’الثقة’ بالإرهابيين ‘ المعتدلين’ والغموض في إدارة الحرب على الإرهاب.الضربة الموجعة التي تلقاها جنودنا في الرقبان، تدلّ على استخفاف المطبخ السياسي بالتهديدات، واصراره على ليّ عنق الحقيقة، واستمرار سياسات التمييز بين الإرهاب ‘الجيد’ والإرهاب ‘السيئ’، ومنع التعبئة الشعبية ضد القوى التكفيرية الإجرامية.ردّت الجماهير الأردنية على عملية البقعة الإرهابية، باستعدادها لخوض المعركة؛ لكن المطبخ السياسي رفض التحشيد، وعمل على تفكيكه بالقول إنه ‘حادث فردي ومعزول’، أي انكار وجود تهديد إرهابي يستحق المواجهة الشاملة! أما عن الإرهاب المتسلل من الحدود، فلطالما استمعنا إلى تطمينات وعنجهيات فارغة، ها هم ستة من زهرة شبابنا يدفعون ثمنها الباهظ.الحكومة الأردنية التي استقبلت بفتور شديد العملية العراقية لتحرير الرطبة، وطرد الدواعش من الحدود العراقية ـ الأردنية؛ بل وقالت أنه لا معلومات لديها، وأنها ترفض ‘ المزاودات’، ماذا ستقول اليوم بالنسبة للجبهة الشمالية، حيث تختلط الأوراق وتتداخل تنظيمات داعش والنصرة و’ المعتدلين’. وتشير المعلومات أن هؤلاء الأخيرين يجري تحشيدهم الآن لمعاودة القتال، وفق الخطة الأميركية لإشعال الجبهات مجددا في سوريا، بما في ذلك جبهة الجنوب؛ انشغال المطبخ السياسي في واد، والتهديدات الفعلية التي تواجه بلدنا في واد آخر؛ فمن يتحمل مسؤولية الدماء الزكية؟نحن نواجه تهديدا إرهابيا متناميا وبالغ الخطورة؛ فأي مراقب حصيف سوف يتوقع أن هزائم تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، سوف تدفعه إلى افتتاح جبهات جديدة، وأقرب هذه الجبهات هي الجبهة الأردنية التي جاء دورها.ثلاث حقائق يتجاهلها المطبخ السياسي تجعلنا أضعف في مواجهة الإرهاب الممتدّ، هي:أولا، أنه لا يوجد معتدلون بين الإرهابيين والمسلحين؛ جميعهم سلفيون جهاديون، ويسهل عليهم التنقّل من تنظيم إلى آخر، ولا يمكن ضبط سلوكهم ، ومن السذاجة التفكير باختراقهم، ولا بد من قطع العلاقات معهم واستئصالهم، فكريا وثقافيا وأمنيا، في حملة ينبغي أن تكون المهمة رقم واحد على جدول الأعمال الأردني؛ثانيا، إن مواجهة التحدي الإرهابي ليس عملا أمنيا، بل هو عملية وطنية؛ ما يتطلب تعزيز الوطنية الأردنية، بوصفها عصبية الدولة القادرة على مواجهة مخاطر انفلات الخطر الإرهابي، في حين أن الاتجاه السياسي الحالي نحو التوطين السياسي والكونفدرالية، والاتجاه الاقتصادي نحو إطلاق ديناميات الخصخصة والاستثمارات (…) من دون قيود، لا ينسجمان مع تعزيز الوطنية الأردنية، المطلوب، سياسيا واقتصاديا، كبحها؛على هذه الخلفية، نستطيع القول إن المطبخ السياسي وصل، في تناقض خياراته مع مصالح الدولة والمجتمع، حدا انتهى به إلى الشلل؛ فهو عاجز عن التحشيد ضد الإرهاب، طالما أن هذا التحشيد مضاد لخياراته الاقتصادية والسياسية وعلاقاته الإقليمية، بينما أفلتت خيوط التنظيمات التكفيرية والسلفية من بين يديه، وأصبح في حالة عماء عن تحركاتها وبرامجها؛ثالثا، إن الجدران الألكترونية وسواها من ‘ التحصينات’ الحدودية لا قيمة لها في مواجهة الهجمات الإرهابية العابرة للحدود، من دون التنسيق الأمني والعسكري والسياسي مع الجيش السوري والعراقي. وهذه الخطوة الضرورية لأمننا الوطني ما تزال ممنوعة علينا بضغط أميركي وخليجي؛ إلا أنه بات علينا الاختيار.