ثلاثيّ (العرب اليوم)

ارتبطت تجربة ‘ العرب اليوم’, منذ العام 2000 وحتى الأسبوع الأخير, بالثلاثي طاهر العدوان وفهد الخيطان وسلامه الدرعاوي. ولا تبخس هذه الحقيقة جهود الآخرين, لكن التوافق المهني العميق الذي توثق, في مسيرة العمل, بين الثلاثي, يستحق وقفة إعجاب, بالنظر إلى أن التقاليد الفردية المكرّسة في صفوف النخبة الإعلامية.
تضامن الثلاثي لترسيخ حيّز منتزع بأناة ومثابرة من حرية التغطيات المحلية وتعدد الآراء واحترام الاختلاف في إطار معيارين هما النزاهة والوطنية. وهذا هو سر ‘ العرب اليوم’ المكشوف.

والتحدي الذي يواجه أسرة الصحيفة التي يحق لها أن تصف نفسها بأنها مستقلة, هو في قدرتها على الحفاظ على الروح المهنية والالتزام الأخلاقي اللذين ميزاها دائما. ولحسن الحظ, فإن ‘ العرب اليوم’ ما تزال تحظى, بعد مغادرة الثلاثي اللامع, بالعديد من الزميلات والزملاء ممن يستطيعون, إذا ما أُتيح لهم, الإستمرار في النهج المهني نفسه, وتطويره ورفده بعناصر إبداعية جديدة.

أعترف بأن مغادرة الثلاثيّ, سدّة ‘ العرب اليوم’ كانت مؤلمة بالنسبة لي شخصيا, لا سيما أن رغبتي العميقة بالعودة إلى عمودي فيها, بعد الغيبة الاضطرارية الطويلة, ارتبطت بهؤلاء الأصدقاء, وبذكريات التجربة المشتركة بين 2000 و2008 والمعارك الدامية التي خضناها معا على صفحات ‘ العرب اليوم’ ضد الاستبداد والفساد ودفاعا عن البلد والدولة والحرية والتقدم وعن المقاومة في فلسطين والعراق ولبنان.

وشعوري بالخسارة أظنه يخيّم على أجواء الصحيفة وقلوب الزميلات والزملاء وشاشات حواسيبهم, وأظنّ أن كثيرا منهم, وخاصة الشباب من محبّي رئيس التحرير الشاب المخلص الودود الحيي, فهد الخيطان, يشعرون بالارتباك بعد مغادرته. ولهؤلاء أودّ القول إنني أرى في عدد منهم نماذج من فهد الخيطان, فقد عرفته في أول الطريق, وزاده من المهنة أخلاقه الرفيعة ووطنيته ومثله الديموقراطية وموهبة لم تنصقل بعد. وهو علا في المراتب المهنية, محررا ومحللا وكاتبا موهوبا, بما بذل من جهود وإصرار وصبر و بما تحصّن به من تواضع وعفّة عن المكاسب والمناصب والصغائر, وبصورة خاصة, شعاره بأن المهنة أولا وثانيا وثالثا وأخيرا.

غادر فهد لكي يجد أفقا أرحب, ولكن نموذج فهد باق في زميلات وزملاء آمل أن يركزوا على النموذج وليس على الشخص والموقع من صحيفة هي, في خطها وروحها, صحيفتهم, ومن واجبهم, بالتالي, تحصينها من التراجع عن ذاتها.

طاهر العدوان هو الآخر نموذج أكثر منه شخصا وموقعا. ونموذج العدوان يكمن في تقاليد الرجولة الأردنية من الصلابة والعاطفة والحدة والرقة. وهو ما يذكّرني دائما بأحد جدوده, الفارس والشاعر نمر العدوان.

وسلامة درعاوي .. ملك الأخبار والأسرار, نموذج صحافي لا يكلّ ولا يملّ في إنشاء الصلات وترتيب المصادر والبحث عن التفاصيل وفتح الملفات. وهو ما يتوجب على شباب الصحيفة أن يتعلّموه, مدركين أن قيمة الصحافي تكمن في ما يملك من مصادر وأخبار. نطوي صفحة المغادرة ولكننا لا نطوي التجربة.

(العرب اليوم)

Posted in Uncategorized.