توضيح حول ”الوحدة الوطنية“
ناهض حتر
طَلَبَ إليّ القائد الوطني الكبير، الدكتور عبدالرحمن شقير، أن أكتب مؤيدا ”الوحدة الوطنية “ وهو طلب يضمر شعوراً، عند الدكتور، وأخفاه، كرماً وتواضعاً وأدباً، بأنني أقف في الموقع المضادّ للوحدة الوطنية.
وما كنتُ- والحق- لآبه بشعور كهذا لو لم يكن صاحبه هو الدكتور عبدالرحمن شقير، بما يتمتع به من قوّة الضمير وصفاء الشعور والبراءة من الأغراض الدنيويّة .
وإذا كان الدكتور شقير يشعر بأنيي ”غير وحدوي“ فهذا يعني أن طروحاتي السياسية، قد تكون ملتبسة عند فريق من الوطنيين الأردنيين، مما يقتضي التوضيح تواً.
ولقد كنت أظن أنيي واضح بما في الكفاية سيما وأنني قيدت نفسي بألا أكتب لهوا أو ملقا أو حشوا أو تعمية، بل استنادا إلى فكر نظامي لا يقبل الفوضى، و بدقة صارمة، وبوضوح شامل، لا يجامل ولا يخاف ولا يرغب، بل يواجه مغامرة الفكر بدون حزام أمان، وساعيا إلى انتاج نص بلا هوامش أو رتوش أو ظلال.
ومع ذلك سأحاول أن أوضح نفسي:
إنني أكدح -بالمعنى الحرفي للكلمة- فكرا و كتابة، من أجل تأسيس عقل جديد للنضال الوطني و القومي. و القارئ المنتبه يلاحظ أنه من الصعب أن ينسبني إلى أي من المدارس السابقة. وأنا أعترف أن حركة الفكر التي أسير في جدلها. وأحاول التعبير عنها بنصوص أدبية ساخنة، تحيّر الذين تعوّدوا أن يضعوا الكاتب في خانة معروفة من الخانات المعتادة.
لقد كنت -وما زلت- ماركسيا، أي منتسبا للتقليد الماركسي، وهذا التقليد ليس ضيّقا، أو حرفيا كما تعود أن يراه أولائك الذين لم يعرفوا من الماركسية سوى المدرسة الشيوعية الكلاسيكية بتياراتها، وانا أفيد، في عملي الفكري – السياسي، من مفكريْن ماركسييْن كبيريْن. أحدهما عربي لبناني هو الشهيد مهدي عامل. وثانيهما إيطالي هو الفيلسوف الكبير انطونيو غرامشي. وهما يشكلان. عندي. معا ضميرا علميا يضيء لي قراءة التاريخ الاجتماعي للبنية الاردنية في إطارها العربي، ويفتح أمامي طريقا بكراً نحو جدل الاجتماعي والوطني، و القطري و القومي، في الواقع التاريخي العربي.
وقد كنت -ومازلت- يساريا؛ لا بالمعنى المعهود المشتق في الادبيات و التحزبات الصغيرة، ولكن بالمعنى الكبير الذي ينبني على حركة فكر تنطلق من مواقع الشعب الكادح، وتؤول إليها.
وقد كنت -وما زلت- قوميا ؛ لا بالمعنى الطوباوي الايديولوجي؛ ولكن بمعنى آخر، يتجسد في الضرورة العيانية التقدمية لوحدة الأقطار السورية في إطار عربي مفتوح على أشكال يصنعها التاريخ من التضامن و الاتحاد.
وقد كنت -وما زلت- مناهضا ثابتا للصهيونية و كيانها العدواني الجاثم على أرض فلسطين العربية؛ لا بالمعنى المعتاد للكراهية العربية للعدو الصهيوني ؛ ولكن بمعنى ادراك الواقعي للصراع التاريخي بين الشعوب العربية الهجمة الصهيونية. وهو صراع لا مفر منه، ولا مفر من القيام بواجباته النضالية حتى النهاية، أعني حتى كسر الهجمة الصهيونية و ازاحتها من طريق النهضة العربية التي يصنعها الكادحون، فكراً وغلالاً و صناعة.
ولأن الفكر، إذا خرج عن سياقه. يتوه؛ ولأن السياسة ممارسة محددة بالهُنا و الآن، أي بالبنية الاجتماعية التاريخية المحددة التي فيها تتم ممارسة السياسة؛ فأنا أردني حتماً. واذا تخلّيت، لحظة واحدة، عن هذا التحديد، فلن اكون، في منطق التاريخ، سوى صفرا على الشمال!
بالمرء لا يفكّر في المطلق وبالمطلق، بل في مجتمع معين، ومن موقع طبقي معيّن. وفي زمن تاريخي معيّن. وعليه. فلا يمكن للأردني أن يكون قوميا أو إسلاميا او يساريا أو ”فلسطينيا“ إلا تعبيرا عن موقعه الاجتماعي في البنية الأردنية!
وللبنية الأردنية تاريخ اجتماعي وهو نقيض التاريخ المدرسي الرسمي، مثلما هو نقيض التاريخ الذي صاغته، نتفاً ة ظلالاً، معارضة لم تكتشف ذاتها التاريخية، في البنية التي تسعى إلى تغييرها بالذات!
وتاريخ البنية الأردنية الاجتماعي- وهو الوحيد الحقيقي لأنه، بالذات، اجتماعي- هو تاريخ نضال الكادحين من الفلاحين و الرعاة، ضد ارستقراطيات البادية، من أجل تأمين الشروط السياسية لازدهار الانتاج الفلاحي و تطور القوى المنتجة، في نهايات العهد العثماني. فالكادحون هم الذين بنوا، بعرقهم و دمائهم، الكيان الأردني الحديث، الذي منع الاستعمار اندماجه بالشام، وأعاق، بالتالي، تطوره الممكن، فانفتح، في داخله، ساح الصراع بين القوى المرتبطة اقتصاديا، وبالتالي، سياسيا، بالقوى الخارجية: بريطانيا ، فامريكا ،فاسرائيل!
وعليه، فأنا وطني أردني ، وهذا معناه أنني في خندق الكادحين ضد البرجوازية. وفي خندق التنمية الوطنية ضد الكمبرادور. وفي خندق التنمية الأرض ضد السماسرة، وفي خندق الوطن ضد الإحتلال، وفي خندق فلسطين ضد الصهيونية، وفي خندق الهلال الخصيب، ضد اسرائيل الكبرى، وفي خندق الاستقلال ضد التبعية، وفي خندق الوحدة ضد التجزئه و التقسيم!
من الكادحين
وإلى الكادحين.
حركة فكر واحدة تنسج الاجتماعي و الوطني؛ القطْري و القومي، السياسي و الثقافي؛ و تبادر التاريخ!
***
وبعد،
هل يمكنيي اللا ان أن أقول قولا غير ملتبس في ”الوحدة الوطنية“
إنني بالطبع، لست مع وحدة تضم الكادحين و البرجوازيين؛ الوطنيين و الكمبرادوريين؛ الوحدويين والإنقاسميين؛ مناهضي الصهيونية وأصدقاء ”إسرائيل“ …
فهل هذا واضح؟
أما الوحدة الوطنية لشعبنا الكادح -بكل مكوناته- فهي الإطار الوحيد الممكن لكل نضال وطني، قومي، تقدمي، وهي الأساس لاستقلال الأردن وسيادته وقدرته على مجابهة الغزو الصهيوني، وإعلاء صروح التنمية الوطنية و الثقافية الديمقراطية على أرضه.
ويبقى أن يجمع الأردنيين والفلسطينيين هو مشروع الوحدة القومية.. لا الوحدة الوطنية ، و هو ما يعني وحدة الأردن المستقل الحر مع فلسطين المستقلة الحرة في اطار النضال ضد الإستعمار والصهيونية، وليس ”وحدة“ الأردنيين والفلسطينيين.. في الاردن.. وفي سياق الخضوع للإستعمار و الصهيونية! فهذه ”الوحدة“ لها إسم واحد .. هو الوطن البديل!
***
– الدولة الفلسطينية المستقلة و عاصمتها القدس العربي. أولاً
-العودة غير المشروطة للاجئين و النازحين إلى أرض فلسطين. أولاً
هذا هو المدخل الصحيح لوحدة الشعبين الأردني الفلسطيني.. وسواه مداخل تقود إلى كوارث جديدة!
***
العودة أولا
والوحدة ثانيا
والعودة ليست قراراً ”اسرائيليا“ نعرف أنه مستحيل طالما أننا لا نستطيع أن نفرضه؛ العودة قرار نتخذه نحن.. بالاعتراف الصريح، المؤسسي و القانوني، بالهوية السياسية لفلسطيني الأردن، باعتبارهم لاجئين و نازحين و مقيمين، لا ” أردنيين من أصل فلسطيني!“
العودة قرار نتخذه نحن بوقف التدفق السكاني من الضفة الغربية وغزة ومخيمات لبنان وسورية.. باتجاه الأردن!
العودة قرار نتخذه نحن.. بتحفيز مواطني الضفة الغربية المقمين في الأردن اقتصاديا وسياسيا. و على العودة إلى مدنهم وقراهم.
والعودة قرار نتخذه نحن .. بطرح قضية اللاجئين والنازحين باعتبارها قضية الأردن اقتصاديا وسياسيا، على العودة إلى مدنهم وقراهم!
والعودة قرار نتخذه نحن.. بطرح قضية اللاجئين و النازحين، باعتبارها قضية الأردن الأولى. التي، بدون حلها، سنظل في مصيدة ”السلام مقابل التوطين“
***
العودة موقف وممارسة وثقافة .. وليست شعارا!
العودة مشروع وطني للنضال .. وليست أحلاما رومانسية .
العودة حالة وعي وإصرار و نضال .. وليست شمّاعة للانتهازيين
العودة.. قرارنا نحن!
***
العودة أولاً
والوحدة ثانياً