ناهض حتّر
قوى السوق لا تطيق الدولة، ولا دورها الاقتصادي الاجتماعي، ولا بيرقراطيتها، ولا قوانينها، ولا ضوابطها، ولا اجراءاتها. انها تفضل الفوضى، حيث يمكن استخدام الوسائل السلطوية والنفوذ السياسي للحصول على الصفقات الاحتكارية، وتجاوز قوانين المنافسة.
بالطبع، هناك ادعاء ايديولوجي يقول ان السوق الرأسمالية تقوم على المنافسة الحرة. وهذه الاخيرة غير ممكنة من دون دولة قوية، ونظام ديمقراطي، وضوابط قانونية صارمة. وحين لا تتوفر هذه المعطيات، فسوف ينشأ، حتما، ذلك التحالف الصلب والغامض بين البزنس والنفوذ السياسي، فطالما أن رجال الاعمال لا يستطيعون التنافس وفق معايير شفافة، ومضبوطة، وتحت مظلة القانون والعدالة، فسوف يلجأ كل منهم الى حل مشاكله والحصول على حصته من خلال استخدام النفوذ السياسي وتسديد الفاتورة.
العداء الشامل للسوق الرأسمالية يحجب عن اليساريين – وأنا منهم – الالتفات الى شكاوى رجال الاعمال من «التلزيم»، فلا يكاد يمر اسبوع واحد من دون ان يتفاجأ مجتمع الاعمال، بأن صفقة كبرى قد تمت في الكواليس، من دون التقيد بالاسس النظامية، كالاعلان عن «المشروع»، وشروطه، وطرحه للمنافسة الحرة، في عطاء رسمي او استقطاب عروض ضمن الاصول.
ويشكو أحد رجال الاعمال بان الصحافة تعلن عن صفقات واستثمارات … وكأنها انتصارات اقتصادية، من دون ان تسأل: متى تم الاعلان عن الاتجاه الى المشروع المعني، واين هي وثائقه النظامية، وكيف فازت به هذه الشركة دون تلك؟ ولماذا؟
وهذه الاسئلة سوف يتم استبعادها من النشر العلني، ويتم تداول اجابات عديدة حولها، في الصالونات، تدور، بالتحديد، حول كواليس الصفقة، والطرف غير العلني فيها من المتنفذين القادرين على تأمينها، خارج الاصول!
بالنسبة لي فان النقد الضروري هو ذلك الذي ينصب على السوق الرأسمالية المعولمة في كل صيغها، غير ان من المفيد التوقف عند حقيقة ان هذه السوق – في بلدنا- ليست حرة، ولا تقوم على اساس المنافسة، بل على اساس الاحتكار الذي يفرض شروطه الخاصة على هيكلية السوق، ولا يترك لرجال الاعمال – المحليين والاجانب – سوى الخضوع لمطالب «التلزيم».
من الواضح، اذن، ان الديمقراطية هي وحدها التي تحرر رجال الاعمال من سطوة السياسيين وشراكتهم. ولكن رجال الاعمال لا يدفعون باتجاه الديمقراطية، لانهم لا يشكلون طبقة اجتماعية راسخة ذات تقاليد وطنية. فهم جمع معظمه من البيرقراطيين السابقين والمتسللين والمحظوظين واللاعبين ومحدثي النعمة وغاسلي الاموال بالاضافة الى حفنة متناقصة من الرأسماليين التقليديين – الذين يملكون روابط وطنية واجتماعية – ولكنهم يذوبون في مجتمع الاعمال الجديد المتسع المتنامي من الاثرياء الجدد.
وهؤلاء لا يشعرون بالقوة والشرعية لطرح مطالب سياسية، بالاضافة الى ان عدداً كبيرا منهم لا يستطيع المنافسة، ويفضل اللعب المضمون بالعلاقة مع النفوذ السياسي. انهم يحققون ثرواتهم بفضل غياب الديمقراطية والاطار القانوني للمنافسة.
غير ان الخوف العميق من الديمقراطية، لدى الفئات الرأسمالية المحلية، نابع من الآثار المترتبة على مشاركة الاغلبية الشعبية من الفقراء والمتوسطين في العملية السياسية والقرار الوطني. فهذه المشاركة سوف تصب، حتماً، في مناهضة السوق . . التي تطحن عظام الطبقات الفقيرة لمصلحة الأقلية. الديمقراطية الاردنية لن تكون الا ديمقراطية اجتماعية. ولذلك فان التحالف بين مجتمع الاعمال والمجتمع السياسي، سوف يمنع، حتما، التحول الديمقراطي، بينما يحمل «هذا التحالف» مشاكله الداخلية.. بالتفاهم على التلزيم.