زيارة ابتزاز إلى عمّان****يتوجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته أرييل شارون الى العاصمة الأردنية الأحد المقبل، للالتقاء بالملك عبد الله. وستكون تلك مناسبة لإطلاق المزيد من التصريحات الودية إزاءه، والتأكيد مجددا على عمق العلاقات الأردنية الإسرائيلية.زيارة عمّان، في بعدها الاعلامي هذا، هي مناسبة انتخابية بالدرجة الأولى. وقد ألحّ نتنياهو على القيام بها، وسط تردد القصر الملكي الأردني الذي لا يريد أن يكون طرفا في الانتخابات الاسرائيلية، بل ان الحكومة الإسرائيلية أعلنت عن الزيارة، وقالت صراحة انها تنتظر الرد من عمان الذي جاء أخيرا بالموافقة.ونتنياهو الذي لا يستطيع زيارة القاهرة، ولا يريد زيارة غزة، لم يعد أمامه سوى عمّان، للحصول على صورة انتخابية مع الملك الأردني الجديد الذي نقل عنه الإسرائيليون قوله ان »نتنياهو أخي« من بين تقارير أخرى عديدة ترسم للملك عبد الله، ملامح الحليف الأمني الموثوق.واللافت في هذه التقارير ان جميعها إسرائيلية ومنسوبة الى مصادر، معظمها »لا تريد الكشف عن نفسها«، بينما لا يصدر عن عمان ما يؤكدها، بل ان الملك والمسؤولين الأردنيين الذين أعلنوا، رسميا، غير مرة نوايا طيبة حيال العلاقات مع السعودية وبلدان الخليج وسوريا والعراق، لم ينبسوا ببنت شفة حول العلاقات مع إسرائيل، سوى ما قاله الملك انه يعتزم مواصلة سياسة والده في هذا المجال.وليس هناك مؤشرات، بالطبع، على أن الملك سيخرج عن هذه السياسة بل ربما كان راغبا في تطويرها. ولكن التقارير الصحافية الإسرائيلية على الأرجح تبالغ، عن عمد، في تصوير الميول الاسرائيلية لعبد الله، وهي في الواقع، تقدم له مطالب تل أبيب وكأنها برنامجه الخاص!هل يواجه الملك الأردني ابتزازا انتخابيا (لمصلحة نتنياهو)، وسياسيا وخصوصا أمنيا لمصلحة إسرائيل؟نتنياهو وشارون بعد أن يستثمرا لقاءهما مع الملك عبد الله انتخابيا، سيطلبان بالطبع، تكثيف التعاون الأمني بين الدولتين، خصوصا السماح بإعادة افتتاح محطة الاستخبارات الاسرائيلية (الموساد) في عمان، مثيرين المخاوف الأمنية لدى الملك الجديد من جيرانه، ومن المعارضة الداخلية والعناصر »الارهابية«، وملوحين بأنهما استجابا ولو جزئيا وفي حدود ضيقة للمطلب الأردني القديم بإلغاء الحواجز الأمنية والجمركية والادارية أمام السلع والخدمات الأردنية في الأسواق الفلسطينية.لكن عمّان استبقت الطلب الاسرائيلي بالرفض، حين أعلنت على لسان وزير الخارجية عبد الإله الخطيب، ان الحديث عن السماح بمكتب للموساد في العاصمة الأردنية هو »أوهام وترهات«، و»لا تستأهل التوقف عندها«!!.وفي الحقيقة ليس هناك ما يبحثه عبد الله مع نتنياهو وشارون، لسبب بسيط اولي هو انه ينتظر نتائج الانتخابات الاسرائيلية التي باتت قريبة، بينما هو، مصونا بالحداد على والده، غير مستعجل، لا سيما انه بدأ برنامجا للتغييرات الداخلية على مستوى القيادات العسكرية والأمنية، وقريبا السياسية. وهو برنامج يستهدف تكوين فريق الحكم الخاص به، ما له، حتى اميركيا، اولوية على العلاقات الاردنية الاسرائيلية.والراجح، على كل حال، ان صورة العلاقات الاردنية الاسرائيلية ما بعد الملك حسين، تحتاج الى بضعة شهور اخرى، لكي تتضح ملامحها التي ستساهم في صنعها عوامل عدة من بينها الآتي:1 طبيعة فريق الحكم الجديد في عمان الذي سيكون، في النهاية، محصلة للاعتبارات والقوى داخل النظام من جهة، وطبيعة الفائزين في الانتخابات الاسرائيلية من جهة اخرى.2 حجم المعارضة الاردنية في المرحلة الجديدة، ومدى قدرتها على تأكيد برنامجها للاصلاح السياسي وتصوراتها حول السياسة الخارجية للبلاد.3 حجم المساعدات السعودية والخليجية وقدرتها على التأثير الفعال في إنقاذ الاقتصاد الاردني، ومدى ارتباطها (شرطا او حكما) بتحسين العلاقات الاردنية السورية.4 مدى استعداد الولايات المتحدة لإعطاء الشأن الاردني الداخلي، وضرورة ترتيب البيت الاردني وعلاقاته العربية، الاولوية على جر عمان وراء استراتيجيتها الاسرائيلية او العراقية.صحيح ان الولايات المتحدة قدمت حتى الآن دعما سياسيا »مطلقا« للعهد الجديد، ولكن من يضمن ألا يجرّ الاميركيون الملك الاردني الجديد الى مغامرات سياسية مع اسرائيل، او عسكرية ضد العراق؟.ان الترتيب الذي يتبلور في عمان الآن حظي منذ البداية برعاية واشنطن، ونحن لا نشير هنا الى »المساعدات« الاميركية المحدودة المخصصة لشراء خردوات اميركية وتسديد مستحقات قروض سابقة، ولكننا نشير الى الضوء الاخضر الاميركي للمساعدات الخليجية التي قد تساعد الاقتصاد الاردني على الصمود امام انهيار حتمي.وإذا كانت الولايات المتحدة تشجع تحسنا (محدودا بالطبع) في العلاقات الاردنية السورية، فربما كانت عمان تتطلع، بدورها، الى عدم توتير العلاقات مع دمشق، لا سيما أنها قررت خفض تعاملها التجاري مع العراق الى الحد الادنى في مؤشر جديد على تعميق القطيعة بين البلدين.ستصغي عمان تحت ضغط الأزمة الاقتصادية الخانقة في المرحلة المقبلة، على الارجح، الى الرياض اكثر مما تصغي لتل ابيب، وفي المسافة بينهما ستحدد سياساتها. فإذا كانت محطة »الموساد« ممكنة في العاصمة الاردنية قبل العام 1997، عندما كانت القطيعة الاردنية السعودية »تحرر« عمّان من التزاماتها الخليجية، فإن الملك عبد الله لا بد سيسأل نفسه اليوم عما اذا كانت الرياض تقبل بمحطة »للموساد« على حدودها!.ستستمر العلاقات الاردنية الاسرائيلية على »دفئها«، ولكنها لم تعد الملجأ الوحيد لعمان… إلا اذا قررت الاخيرة ان تغامر او قررت الاطراف الاقليمية ان الاردن منطقة نفوذ اسرائيلية!.