تغيير قواعد الاشتباك

بصخب وجنون، احتفلت القنوات التلفزيونية الإسرائيلية أمس، بمقتل وزير الدفاع السوري، الضابط العربي اللامع داوود راجحة ورفاقه في التفجير الاستخباري الذي ضرب مبنى الأمن القومي بدمشق.إسرائيل والولايات المتحدة تعملان على خط غير الخط الذي يعمل عليه الحلف الخليجي التركي الإخواني في عمليات التدخل ضد سورية. فهما لا تهتمان بجوانب الصراع السياسي وحتى الأمني ، ولا تهتمان بتسوية حتى لو أدت إلى تنحية الرئيس بشار الأسد ، بل تركّزان كل انتباههما على هدف واحد هو المؤسسة العسكرية السورية. وخطتهما ألا تنتهي الأحداث في سورية قبل تفكيك جيشها وتجريده من ضباطه الكبار وقدراته وأسلحته المتطورة وغير التقليدية، وخاصة ترسانته من الصواريخ البالستية المحمّلة بالرؤوس الكيماوية.
وتتعاون الاستخبارات الأمريكية والإسرائيلية مع جهة عربية لم يُكشَف النقاب عنها بعد، في هذا الخط بالذات. وفي هذا السياق يمكن فهم سلسلة الاغتيالات لضباط وطيارين سوريين ومهاجمة مراكز عسكرية مهنية ومرابض طائرات مقاتلة إلى غير ذلك من الأهداف العسكرية التي لا تتصل مباشرة بأهداف جماعات المعارضة المسلحة حتى أكثرها تطرفا. وتأتي العملية الاستخبارية النوعية الأخيرة ـ التي وجهت ضربة قاسية إلى القيادة العسكرية السورية ـ على مسافة أيام من نجاحها في تنفيذ مناورة كبرى في ظل الأزمة السياسية والأمنية القائمة. وهو نجاح يُعتدّ به.
تنظر واشنطن وتل أبيب إلى الجيش العربي السوري كمنظمة معادية وظهير لمنظمة مقاومة هي الأخطر بالنسبة للإسرائيليين، أي حزب الله. وهو ما يجعل ذلك الجيش هدفا استراتيجيا للنشاط الاستخباري الأمريكي ـ الإسرائيلي في سورية.
نتذكر، هنا، إقدام المحتلين الأميركيين، العام 2003، من دون داع عسكري أو أمني، على حل الجيش العراقي في خطوة اعتبرها معظم المحللين خطأ جنونيا. ولكنه كان خطأ مقصودا في إطار استراتيجية تفكيك الجيوش العربية المؤسسة على عقيدة دفاعية قومية التي تتبع أنظمة تسليح روسية.
من وجهة النظر الاستراتيجية، فإن احتفاظ الجيش السوري بوحدته وتركيبه الاجتماعي الوطني وقدراته المهنية العسكرية ونظامه التسليحي، سوف يجعل من أي تغيير سياسي داخلي ـ بما في ذلك الإطاحة بالنظام ـ بلا معنى من الناحية الاستراتيجية، ذلك أن المؤسسة العسكرية الموحدة والقوية ستظل تحافظ في كل الظروف على وحدة البلاد، وعلى العقيدة القتالية القومية المعادية للغرب وإسرائيل، وعلى النظام التسليحي الروسي والعلاقة الاستراتيجية مع روسيا، وأخيرا على صلات الدعم مع المقاومة اللبنانية. ولذلك، فإن المطلوب رقم واحد في الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية، يظل يدور حول مهمة تدمير بنى المؤسسة العسكرية السورية.
والآن، سوف تبادر هذه المؤسسة للدفاع عن نفسها، أولا، بانتقال القرار في معالجة التطورات السورية من المستوى السياسي إلى المستوى العسكري، بما يعني انكفاء مساعي التسويات والدخول في منطقة كسر العظم، ثانيا، تغيير قواعد الاشتباك الملتزمة بالمعايير السياسية والضبط الروسي والرقابة الدولية وخطة عنان ،الخ … إلى قواعد اشتباك جديدة تلتزم فقط، بمعايير سحق التمرد المسلح والانشقاقات والخروقات .

العرب اليوم

Posted in Uncategorized.