ناهض حتّر
من المفروض اننا توصلنا الى اجماع وطني حول كل القضايا في ملتقى «كلنا الاردن» الصيف الماضي. لكننا فجأة، اكتشفنا اننا مختلفون حول كل شيء تقريبا. وسبق ان حدث ذلك في اعقاب حوارات لجان «الاردن اولا» 2002 والتنمية السياسية والادارية 2004 والاجندة الوطنية 2005 فما هي قصة هذا الفشل المتكرر؟
تقوم هذه المشاريع الرسمية على الاستقطاب والتحشيد للافراد وليس على الحوار بين التيارات والرؤى. وهذا ما يضمن اقل قدر ممكن من التعديلات على وثائق معدة سلفا تتحاشى البحث في القضايا الرئيسية وتؤلف نصوصا رمادية. ولا يعترض المشاركون اصلاً في الحصول على مكاسب او الانتساب الى النادي الحكومي او حتى كف الاذى وهذا لا يعني بالطبع، ان المشاركين يتخلون عن وجهات نظرهم الخاصة. كلا انهم يحتفظون بها لنشاطاتهم الخاصة، فيما يمكن ان تسميه الشيزوفرانيا السياسية.
غير ان الفشل المتكرر لمشاريع الحوارات، هو محصلة المشاريع الاهلية ايضا. فآلاف الندوات واللقاءات التي حدثت منذ الـ 89 لم تنشئ تفاهمات اساسية بين اعضاء النخبة الاردنية، الذين يستفيدون من الندوات واللقاءات الاهلية للتعبير الصارم عن رؤاهم رافضين الاستماع الى وجهات النظر الاخرى.
الاختلاف مثلما يقول مهدي عامل هو «حياة الزمان» والموت في التماثل الا ان الخلافات الاردنية هي خلافات عميقة بل قل تكوينية، وهي صادرة عن ائتلاف العصبيات والاجندات، ما يمنع الحوار.
الخلافات الاردنية تطال تعريف الهوية الوطنية، وتعريف المواطنة القانونية والسياسية وقراءة الدستور، وآليات الاصلاح السياسي، ومركزة قانون الانتخابات العامة، وصلاحيات البرلمان، ودوره في تشكيل الحكومات بل والصلاحيات الدستورية للحكومات.. الخ.
الى ذلك هناك فجوة واسعة جدا في المجال الاقتصادي الاجتماعي بين القائلين بالخصخصة والسوق وأولوية «الاستثمار» وحرية رأس المال.. وبين القائلين بالدور الاقتصادي والاجتماعي للدولة، واولوية المجتمع، ومن النافل القول أننا لا نتحدث هنا عن اختلاف في الاجتهادات بل عن خلاف رئيسي في المصالح.
الفجوة مماثلة او اكثر اتساعا في مضمار السياسة الخارجية، حيث المواقف الرسمية لا تحظى بتأييد شعبي، في قضايا السلام مع اسرائيل وحيال العراق وفلسطين ولبنان.
الحوارات هي اذن ضرورة وطنية لكن بشرط الا تكون معدة رسميا لاغراض التحشيد فهذه وصفة للفشل.
ميدان الحوار الارحب هو الصحافة التي يتوجب عليها الان ان تصبح اكثر استقلالا وحيوية وقدرة على نشر المساهمات الجادة خارج حدود التابوهات.
لكن الصحافة تخلق الفضاء اللازم للحوار الوطني فقط، في حين ان التفاهمات يتم انجازها في لقاءات ثنائية وجماعية بين مثقفين وسياسيين ملتزمين برؤى ومواقف معلنة ومكتوبة على ان يتم كل ذلك بمبادرات اهلية حرة.
من المهم اولا الاتفاق على ثلاث نقاط اساسية 1- عدم الذهاب بخلافاتنا السياسية الى القضاء ورفض كل اشكال التدخل فيها 2- رفض كل الاحكام بالتخوين والتكفير وادانة ونبذ عقلية اتهام الاخر كليا 3-وقف «التكاذب الوطني» والشيزوفرانيا السياسية فلا معنى للحوار من دون التزام.
الحوارات كلها، بالطبع، سوف تجري فقط بين اردنيين لا بين طوائف سياسية اردنية وبين مواطنين احرار وتيارات سياسية مستقلة قادرة على الالتزام بالتفاهمات ولا تأتمر بريموت كونترول، وهذا شرط لا بد منه للعمل السياسي الوطني في كل الاحوال… الا اننا نحتاج الان، في حوارات اعادة التأسيس الوطني، الى قطيعة سياسية وثقافية ونفسية مع كل انماط الولاء غير الاردنية، سواء للولايات المتحدة او اسرائيل او سورية او ايران او فتح او حماس او سواها.
ونحن لا نساوي بين هذه القوى بالطبع ولكننا نحتاج الان، الى لحظة نكون فيها اردنيين بلا رتوش ولا ظلال ولا منابت ولا اصول ولا اجندات ولا ارتباطات.
كل الاردنيين وفقاً لقرار فك الارتباط لعام 1988 مدعوون لبناء المملكة الجديدة، الدولة الوطنية الحديثة الديمقراطية القادرة على صيانة استقلالها وتنظيم دفاعها وتحقيق اختراق تنموي جوهري، وضمان الازدهار والعدالة الاجتماعية.