“تسوية اجتماعيّة”

ناهض حتّر
قطع الاردن اشواطاً بعيدة في الاصلاح الاقتصادي، من وجهة نظر السوق الحرة والخصخصة الشاملة. وقد تكرس هذا «الاصلاح» في حزمة كبيرة من القوانين والانظمة والقرارات والاجراءات والخطط، ربما نحتاج الى عقد كامل لاستيعابها وتشغيلها ومعالجة اثارها الاجتماعية والثقافية.

لدينا الآن من الحريات الاقتصادية، اكثر مما لدى فرنسا حتماً، بل وامريكا. ففي بلد الرأسمالية هذا، ما يزال القطاع الزراعي – مثلاً – يتمتع بالحماية، على العكس من الاردن الذي شطب ويشطب كل اشكال الحماية للسلع والخدمات المنتجة محلياً، وأزال كل القيود عن الاستيراد والاستثمارات الاجنبية. وهو في طريقه الى تعويم كل الاسعار، وخروج الحكومة من قطاع الخدمات العامة، حيث يتم تسليم الراية الى الاستثمارات الخاصة في التعليم والصحة.

«التحولات الاقتصادية والاجتماعية» المطلوبة من قبل الليبرالية الجديدة، تسير، اذن، بسرعة وقوة. وهي تحدث انقلابات ثقافية وسياسية، لمصلحة فئات جديدة «ما تزال تمثل الاقلية الكمبرادورية» على حساب الاكثرية من الفقراء والعاملين بأجر والفئات المتوسطة والرأسمالية الوطنية، والقوى التقليدية في المحافظات.

ولعله كان من المفهوم ان هذه «التحولات» سوف تؤدي الى صدام اجتماعي – سياسي، عند لحظة حرجة، يبدو اننا وصلناها، قبل ان ينجح الاصلاح الاقتصادي في تحقيق «المعجزة» التنموية وتوفير فرص العمل، وتحسين مستوى المعيشة والمشاركة الاقتصادية ومحاصرة الفقر، وسواها من الاهداف التي لم تتحقق حتى الآن، ولا توجد معطيات على انها سوف تتحقق.

هل نحن بحاجة الى المزيد من الوقت ..ام اننا نسير في الاتجاه الخطأ؟

سؤال من دون اجابة يقينية، ولكنه مطروح الآن للحوار الوطني نحو «تسوية اجتماعية» تبدأ بتهدئة التسارع في ماكنة الاصلاح الليبرالي في المجال الاقتصادي، وتركيز الجهد في ثلاثة مجالات هي «1» الاصلاح السياسي. وعنوانه الرئيسي تفعيل وتعزيز مجلس النواب ودوره وصلاحياته الدستورية «2» الاصلاح الاجتماعي. وعنوانه تقديم العون الفعلي من اجل تحسين شروط المشاركة الاقتصادية للفئات الوسطى والقوى التقليدية المهمشة «3» الاصلاح الثقافي. وعنوانه تقديم بديل ثالث وطني عن الانقسام الحاد الحاصل في بلدنا بين الثقافة السلفية والثقافة المتأمركة.

Posted in Uncategorized.