ناهض حتّر
لم تتفق لجنة الاجندة الوطنية حول القضية الجوهرية لنشاطها، وهي التوصل الى صيغة سياسية توافقية لاصلاح قانون الانتخابات العامة. وهكذا رفعت خلافها الى الملك، لكي يحسم الامر: هل سيتاح للمقترع ان يشارك بصوتين احدهما في الدائرة المحلية وثانيهما في الدائرة الوطنية؟ ام انه سيظل يمتلك صوتاً واحداً يمنحه، حسب اختياره، هنا ام هناك؟
في الحالة الاولى سوف يتمكن المواطن من التجاوب، بصوته الاول، مع الضغوط المحلية، بينما يفلت، بصوته الثاني، للتعبير عن قناعاته السياسية. اما في الحالة الثانية، فان نسبة محدودة جداً من المواطنين، هي التي يمكنها التحرر من التأثيرات العشائرية والجهوية، لكي تختار التصويت السياسي. ولن نفاجأ،عندها، بأن كوتا القوائم الحزبية، ربما تنجح بمئات الاصوات!! او ببضعة آلاف على احسن تقدير! واقعياً، وبغض النظر عن التذاكي في الحسابات، فان الاخوان المسلمين – الذين لديهم كتلة اصوات منظمة يمكن توزيعها بقرار مركزي – سوف يحصلون على حصتهم ناقصة قليلاً او ربما زائدة قليلا. ولسوف يكتشف المتذاكون ان تفصيل قانون الانتخابات العام بهدف تحجيم التمثيل «الاخواني» ليس له معنى او قيمة.
والخاسر الاكبر، هنا، هو التيارات الوطنية – غير الاخوانية – والتي – من اجل تحجيم «الاخوان» بنسبة 10 بالمئة مثلا – يتم شطبها بنسبة 100 بالمئة. فجماهير اليسار والقوميين والديمقراطيين، ليست منظمة سوى في اطرها العشائرية، واذا كان لديها صوت واحد، فسوف تمنحه محلياً وليس وطنياً.
على ان الاقتراحين كليهما يظلان، بالنسبة الينا، ترقيعاً لنظام انتخابي فاشل وبالٍ، ولا بد من تجاوزه كلياً. والترقيع المقترح، تحديدا، ليس سوى تسوية بائسة بين الاتجاه المحافظ التقليدي الامني الذي يريد الابقاء على نظام الصوت الواحد في دوائر محلية – وهو ما يستبعد التيارات السياسية والمثقفين العضويين والشخصيات الوطنية، من البرلمان – وبين الاتجاه الليبرالي الجديد الكمبرادوري الذي يريد التغيير باتجاه انشاء دائرة انتخابية واحدة في المملكة تضمن تحويل البرلمان الى هيئة للتوطين السياسي النهائي المتساوق على خطة تصفية القضية الفلسطينية على حساب الاردن.
ومن اللافت للانتباه ان لجنة «الاجندة» لم تناقش البديل الوطني – الديمقراطي لنظام انتخابات عامة يقوم على «أ» اعتماد المحافظة، دائرةً انتخابية لضمان الحفاظ على التكوين الوطني للبرلمان «ب» اعتماد القائمة النسبية «على مستوى المحافظة» لضمان اطلاق الحراك السياسي والاندماج الاجتماعي والتيارات الديمقراطية – التنموية.
* * *
.. غير ان كل هذا النقاش، يأتي في الدرجة الثانية، طالما ظل البرلمان فاقداً لقوته وصلاحياته التي كانت مكفولة في الدستور الاردني لسنة ،1952 ولم تعد موجودة الآن. فما هي فائدة ان نحصل على افضل برلمان في العالم، ثم لا يستطيع ان يفرض ارادته، او قراراته ولا يجتمع سوى اربعة اشهر في السنة، بينما يكون سيف الحل «من دون ابداء الاسباب ومن دون استقالة الحكومة» مسلطاً على رقبته. ويمكن، بعدها، تغييبه مدة سنتين؟ واصدار القوانين المؤقتة في غيبته، ثم تحميله عبء اقرارها .. بل والخضوع للسلطة التنفيذية، الى الحد الذي يستحي منه المواطنون الذين يتمتعون على الاقل بحرية الانزواء في المنازل.