هل يدرك رياض أبو كركي وفيصل الفايز وجواد العناني، طبيعة العملية السياسية الجارية ؟ هل يدركون طبيعة المعركة التي تخوضها الحركة الوطنية الأردنية لإنجاح التسجيل والانتخابات في مواجهة مشروع دولي إقليمي لهدم الدولة الأردنية عبر نشر الفوضى ونزع الاعتراف بالدولة وتهيئة الأرضية اللازمة لإعادة رسم الجغرافيا السياسية في فلسطين والأردن؟
قد تكون نواياهم حسنة، لكن الوضع الحسّاس للمرحلة لا يحتمل تدخلات غير مدروسة في العملية الانتخابية، من شأنها إشاعة الشكوك حولها؛ فمحاولة رئيس الديوان الملكي تشكيل قائمة وطنية ـ وإنْ فشلت ـ تمثّل ضربة موجعة لنزاهة الانتخابات، ومساعي الفايز والعناني لدى الإخوان المسلمين ليس لها من فائدة سوى ضرب التفاهمات السياسية الوطنية وإشاعة أجواء الفوضى في البلاد والتشكيك بصدقية الانتخابات من خلال عروض الصفقات الانتخابية والجدل بشأنها.
في تقرير استدراكي لـ (بترا) نقلت وكالة الأنباء الحكومية، تصريحات للفايز والعناني قالا فيها أنهما غير مكلّفين بإجراء الاتصالات مع الإخوان، وإنهما يعملان وسيستمران بالعمل على اجتذاب المقاطعين. لكن الفايز هو رئيس ديوان أسبق ورئيس وزراء أسبق ومقرّب، والعناني رئيس ديوان أسبق ووزير أسبق ويشغل حاليا موقع رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي، ولا يمكن النظر إلى تدخلهما في العملية الانتخابية إلا كموفَدين رسميين.
العملية الانتخابية الجارية هي استحقاق وطني. وهي، كذلك، لأنها تمثل ضرورة في مواجهة استحقاق إقليمي ودولي. وتضعنا هذه الحقيقة أمام ما يلي:
أولا، الحرص على نزاهة الانتخابات وسلامة إجراءاتها بنسبة مائة بالمئة، بما يمنع أي طعن في برلمان له وظيفة تمثيل الجماعة الوطنية الأردنية عشية تسويات إقليمية كبرى.
ثانيا، صدقية الانتخابات، في الصيغة الأردنية المعقّدة، ممكنة وقائمة بالمشاركين المهتمين ببقاء الدولة الأردنية، ولذلك، فلا يثلمها أن تنعقد بمَن حضر، منطلقا من الواجب الوطني قبل كل شيء.
ثالثا، التدخل الرسمي على أي مستوى في الترشيحات والقوائم ممنوع اليوم نهائيا ، فأي تدخّل سوف يكسر صدقية الانتخابات ووحدة الجماعة الوطنية ويسهم في تفاقم الفوضى ويحرم البلد من هيئة شرعية تمثّله.
رابعا، مساعي اجتذاب الإخوان المسلمين للمشاركة في الانتخابات، تنمُّ، في أحسن الأحوال، عن سذاجة سياسية؛ ذلك أن القرار الإخواني بشأنها ليس مرتبطا بمعادلة محلية وإنما بمعادلات إقليمية ودولية هي نفسها التي تواجهها الجماعة الوطنية الأردنية في الدفاع عن دولتها.
إذا ما استمرت هذه الألاعيب ـ بمختلف أشكالها ـ سيكون الوطنيون الأردنيون، مضطرين للبحث في صيغة سياسية للدفاع عن البلد والدولة، خارج العملية الانتخابية، وعندها تتحمّل النخبة السياسية غير المسيّسة كامل المسؤولية عن انفراط التحالف الوطني الموضوعي القائم في مواجهة التحديات.
المطلوب الآن قفل باب التدخلات والمساعي الخ نهائيا، بما في ذلك تبليغ المتدخلين والوسطاء بالكفّ فورا عن نشاطاتهم التطوعية في العملية الانتخابية. نحن أمام استحقاق وجودي ولسنا أمام لعبة للهواة والباحثين عن مصالح شخصية.