تحليل إخباري
بلد على جناح طائر.. كما أراده الملك******كتب ناهض حترسيترك الملك حسين وراءه فراغا كبيرا في البلد الذي ظل، أبدا، يعيش على الحافة، فلا يقع ولا يستقر، ليس فقط بسبب موقعه الجيو سياسي الصعب بين الأنظمة القومية والنفطية وإسرائيل، وعلاقته المتداخلة بالقضية الفلسطينية، ولكن أيضا، لأن الملك حسين قاده، على مدى ستة وأربعين عاما، كما لو كان يقود طائرة.وإذا كانت قيادة الطائرات، الهواية الأثيرة عند الملك الأردني، فهو اتقن الطيران السياسي، وحكم، فعليا، من طائرته المتنقلة بين عواصم القرار وعواصم المال، فنجح في إدامة حكمه، وحكم، حتى اللحظة الأخيرة، بوصفه ملكا مطلقا، وصاحب القرار الأخير. وكان قراره أن يترك وراءه الفراغ، فظل الأردن، كما أراده دائما، على جناح طائر!بل أن الملك حسين قالها وهو يبرر عزل شقيقه الأمير حسن عن ولاية العهد، فالأخير استحق الإقصاء عن وراثة العرش، لأنه تورط في شؤون الدولة أكثر مما يجب، وقدم »مشروعا«. والملك يريد وريثه، بالنص، »مجهولا«، وبالتالي، قادرا على أن يتلاءم مع المشروع الإقليمي الذي يُطهى، أياً يكن شكله ومضمونه. فعندما لا تستطيع أن تكون، أرد ما يكون. إنها حكمة البقاء. ولكي يبقى العرش ينبغي أن تظل صورة الأردن عائمة. فهل فكّر أحد من نقاد الملك حسين أو مريديه أنه ظل دائما ذلك »المجهول« المستعد للتلاؤم… مع الإنكليز والضباط الأردنيين الأحرار والولايات المتحدة والسعودية وجمال عبد الناصر والعشائر الأردنية وسوريا والعراق ومنظمة التحرير الفلسطينية.. وإسرائيل، حين عُلم فاهتز عرشه.وكان الملك حسين يأمل في أن يظل في عمان حتى منتصف آذار المقبل، وقادرا على متابعة قراراته التي ترسخ لولي عهده الجديد، الأمير عبد الله، ولكن الانتكاسة الصحية عاجلته، فترك وريثه يواجه الاستحقاقات أعزل إلا من دعم عسكري وأمني لا يعرف بعد مداه وقدرته على »ضبط« التناقضات الأردنية المتفجرة!لم يتم للملك حسين، إذاً أن ينفذ القرارات الأهم: وهي تطهير البيروقراطية الأردنية، الحكومية والعسكرية، من أنصار الأمير حسن بخاصة، وأعداء الكونفدرالية بعامة، وإعادة ترتيب التحالفات الداخلية والبيت السياسي المحلي، عدا عن ترتيب العلاقات الإقليمية لولي عهده. وإذا كان الأمير حسن أظهر غير مرة »امتثاله« فهل سيظل ممتثلاً بعد رحيل شقيقه؟ وهو الذي يملك نفوذا قد يستخدمه على الأقل في استعادة دوره إن لم يكن منصبه. وهو »دور« أظهر ولي العهد الجديد وأنصاره، استعدادهم للقبول به، فتم تجديد الثقة بحكومة ولي العهد المعزول، واتخذت اجراءات ضد صحافيين تطاولوا عليه. بل وربما يسعى العهد الجديد الى »قرار جماعي« للعائلة المالكة، يكون الأمير حسن من صنّاعه الأساسيين، فتستمر حالة المراوحة السابقة. بيد انه إذا كان قادرا على إعادة إنتاج نفسه في العهد الجديد، فلن يكون قادرا على لجم التناقضات، لأنها عند ذاك، ستتجاوزه. فالصراع في القصر ليس سوى انعكاس للصراع على الأرض »ووحدة القصر« لن تؤدي سوى الى تأجيل مؤقت للانفجار.أظهر فلسطينيو الأردن، بصورة واضحة، تأييدهم لإقصاء الأمير حسن وتنصيب الأمير عبد الله، بينما كتم الأردنيون غيظهم حتى تنجلي الصورة، وهذه بداية مسيئة لصراع طبقي وطني سيتخذ للأسف، صورة صراع بين الأردنيين والفلسطينيين.