ناهض حتّر
اجراء الانتخابات العامة على النظام الحالي، يعادل التمديد لمجلس النواب القائم، هذا لا يعني بالطبع، تكرار جميع الاسماء، ولكنه يعني تكرار جميع القوى والمعطيات والصفات السياسية.
ولن أجادل، هنا، في حاجة المجتمع الى تحديث آليات التمثيل النيابي وتوسيع قاعدته … فهذه الحاجة الملحة مطروحة، شعبيا، على شكلين، احدهما المطالبات الواعية بتغيير نظام الصوت الواحد المجزوء من قبل القوى والشخصيات السياسية والمثقفين والصحافة، وثانيهما تلك السخرية الشعبية المريرة التي يعبّر عنها مئات آلاف المواطنين إزاء العملية الانتخابية والحياة النيابية، اللتين لا تستجيبان للتطور الاجتماعي العاصف في بلدنا.
ولكنني سأجادل في حاجة النظام السياسي الاردني الى تحديث النخبة السياسية من حيث الاشخاص والنوعية، ففي النهاية، فان التيارات الرسمية التي تلجم التغيير، تفعل ذلك باسم مصلحة النظام. وهذه التيارات لا تزال قادرة، بحكم موقعها في صناعة القرار، ان تفرض تصوراتها. وانا اعتقد ان هذه التصورات خاطئة كليا، للأسباب التالية:
1- ان اكبر أزمة يواجهها اي «نظام» كان، هي تلك الناتجة عن اتساع الهوة بين التطور الاجتماعي – والمجتمع – وبين التمثيل السياسي. اذ ان تلك الهوّة تُضعف عملية «التوسط» اللازمة بين السلطات وبين القوى الاجتماعية، وتؤدي الى قيام حالة من الفراغ السياسي والفوضى وانعدام الثقة وتفكك الحقول الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.
ان المجتمع الاردني يتطور بصورة متسارعة جدا، ولا يستطيع التطور السياسي ان يلحق به، وينظمه، من دون تمكين القوى الاجتماعية الجديدة من التمثيل السياسي. وهذه مشكلة مفتوحة ومتأزمة ونحتاج الى التعامل الديناميكي مع متطلباتها اولا بأول. وسنجد انفسنا. في النهاية، امام وضع مستحيل اذا استمر اطلاق قول التغيير في كل الحقول ما عدا الحقل السياسي.
2- ان تحديث النخبة السياسية، من خلال الانتخابات العامة، هو افضل طريقة ممكنة لتمثيل ذي صدقية للمستجدات الاقتصادية – الاجتماعية، في حين ان الآليات الادارية في التوظيف «للمناصب العليا» والتوزير، لا يكتسب طابع الشرعية، ويحول «المعني» من شخصية الى شخص.
3- كان المستفيد الاكبر من عملية توسيع النخبة السياسية – التي انطلقت منذ ال¯ 89 – هو النظام السياسي الاردني الذي تحصل على دماء جديدة وفعاليات ساهمت في تعزيزه واستقراره.
لكن تلك العملية تم استنفادها حتى الرمق الاخير، والشخصيات السياسية التي تكونت في السبعينيات والثمانينيات، وجرى ادماجها في «النخبة» منذ ال¯ 89 وحتى اليوم، اصبحت قديمة، وفقدت قدرتها على التوسط السياسي، بينما تكونت، في الفترة نفسها، فعاليات جديدة لا زالت مقصاة بسبب آليات انتخاب النواب والتوزير وممارسة العمل العام … الخ. وسوف ينتج عن هذا الوضع – في وقت قريب – توتر يعيدنا الى المربع الاول كما في نهاية الثمانينيات.
4- ومن المعروف ان تأثير حالة الانسداد السياسي امام القوى الاجتماعية – السياسية الجديدة، يصبح مضاعفا في حالات التوتر الاقليمي والدولي كالتي تعيشها الدولة الاردنية في مواجهة آثار المسألة العراقية والمسألة الفلسطينية اللتين تمسكان برقبة الاردن مباشرة.
الاصطدام بالجدار الاسرائيلي في حل المسألة الفلسطينية التي هي مسألة مركزية بالنسبة للأمن الوطني الاردني، سوف يؤدي – موضوعيا – الى تفاقم التوترات مع اسرائيل. ولا نعرف الى اين سوف تصل هذه التوترات في ظل الازمة السياسية الاسرائيلية المتفاقمة؟ وهو ما يطرح علينا أولوية التطوير السياسي للجبهة الداخلية.
كذلك، فإن بلورة دور اردني – في سياق عربي – للتدخل الايجابي في العراق – حيث للاردن مصالح استراتيجية لا يمكن اغفالها – يحتاج هو الآخر الى تفاهم داخلي عميق.
ذلك، بالاضافة الى مشكلات التطور الاقتصادي – الاجتماعي، المطروحة بحدّة في البلاد.
ان كل ذلك – وسواه من التحديات – يطرح مهمة تحديث النخبة السياسية بقوة. ولا يمكن انجاز هذه المهمة من دون تغيير النظام الانتخابي وتعزيز الدور الدستوري للبرلمان في تشكيل الحكومات.