ناهض حتّر
وزيرة الخارجية الامريكية، كوندوليزا رايس المعتبرة “حليفة” العرب في البيت الابيض، وشريكة لقاءاتهم السياسية والامنية – لا يظهر انها تتفهم صراحة موقف حلفائها. وهي تعمل على تفريغ “هجمتهم السلمية” من مضمونها، واعادتها الى المربع الاسرائىلي.
تريد رايس الآتي:
1 – شطب “حق العودة” من مبادرة السلام العربية 2 – الشروع فوراً، في التطبيع الجماعي مع اسرائىل، 3 – اعتبار المبادرة “قاعدة للمفاوضات” على الشرط العربي الباقي، اي على حدود ال¯ ،67 ما يعني الرجوع، كلياً، الى الرؤية الاسرائىلية بتقاسم الضفة الغربية مع الفلسطينيين. وسوف تعتبر تل ابيب عندها، ان اكتفاءها باقتطاع وضم 40 بالمئة من اراضي الضفة – بدلاً من 58 بالمئة كما تريد – هو “تنازل مؤلم” تستحق عليه، منذ الآن – وقبل ان تقره – مكافأة ضخمة ل¯ “تشجيعها” وهذه المكافأة هي اقامة علاقات دبلوماسية وتجارية مع جميع البلدان العربية والاسلامية.
مبادرة السلام العربية لها منطق داخلي يتمثل في تحقيق الاجماع على مطالب الحد الادنى: وكذلك: الاجماع على الثمن المطلوب لتحقيقها. فمقابل الانسحاب الاسرائىلي الى حدود ال¯ ،67 واقامة الدولة الفلسطينية، وحل مشكلة اللاجئين، سوف يتم قبول اسرائىل كعضو طبيعي في المنطقة، وهذه المعادلة من شأنها، وفقاً للرؤية العربية الرسمية، السماح بتجاوز معضلة الصراع العربي – الاسرائىلي وآثاره السياسية والأمنية، وتجديد صدقية النظام العربي وتحالفه مع الولايات المتحدة الامريكية، وجعلهما – “النظام” و “التحالف” – مقبولين كسياق للسياسة العربية.
ولكن من الواضح ان الامريكيين والاسرائيليين، ليست لديهم النيّة للتفاعل الايجابي مع منظور النظام العربي واحتياجاته.
واشنطن وتل ابيب – على العكس – تستغلان ضعفه، من أجل ارغامه على تقديم المزيد من التنازلات غير عابئتين بتفاقم أزمته.
واذا حدث ذلك، اي اذا قدم العرب، التنازلات الجديدة المطلوبة، امريكياً واسرائىلياً، فسيكون ذلك مدهشاً بالنسبة لأي مراقب. فواشنطن – المتورطة في العراق – وتل ابيب – المهزومة في جنوب لبنان – ليستا في وضع يسمح لهما بفرض شروطهما على القمة العربية.
لا يمكن، في رأيي، التنازل عن شروط الحد الادنى العربية، ليس لأسباب مبدئية ولكن لأسباب عملية بالدرجة الاولى.
1 – ان شطب حق العودة. سيؤدي الى انفجار أزمات سياسية داخلية، في صفوف اللاجئين، وفي البلدان المضيفة لهم.
2 – تحويل حدود ال¯ 67 من شرط مسبق الى محل تفاوض، سوف يؤدي، مرة، اخرى، الى تفجير الساحة الفلسطينية. وفي احسن الاحوال، فانه سوف يعيدنا الى تجديد المفاوضات الماراثونية الفاشلة على كل شبر من الارض المحتلة، مثلما كان الحال منذ اوسلو وحتى الآن.
ولن يؤدي ذلك الى طيّ صفحة الصراع العربي – الاسرائىلي، بل الى تجديده. وتعميق تفاعلاته السياسية والامنية.
3 – تقديم ثمن التطبيع الجماعي، مسبقاً، الى اسرائىل، سوف يجعلها اكثر تصلباً، فهذا هو السلاح الوحيد المتبقي لدى النظام العربي الرسمي، وتسليمه سوف يؤدي الى تقويض قدرته على المناورة.
العلاقات والتطبيع قبل الانسحاب الاسرائىلي الى حدود ،67 وحل مشكلة اللاجئين وتسوية الملفات الاخرى سوف يضع العواصم العربية في حرج كلما قامت تل ابيب بعدوان. وهي تفعل ذلك من دون انقطاع. وسوف تفعله دائماً حتى عندما يكون لديها 22 سفيراً عربياً.