خلال الأسبوع الماضي, انتظرتُ, بلا جدوى, ردود الفعل تجاه المعلومات التي تضمنها تقرير صحافي للزميل يوسف ضمرة في صحيفة ‘ الغد’ حول فساد ما بعد الخصخصة ¯ وبسببها طبعا ¯ في شركة الفوسفات.
في ملفين فقط من ملفات الشركة المعروضة للتدقيق, تبيّن ‘ ضياع’ مئات ملايين الدولارات, خلال الفترة من 2009 إلى ,2011 أولهما عقد بيع فوسفات خام منخفض الجودة ( وسعره 80 ¯ 85 دولارا للطن) لصالح شركة كوارتز التي ظهر أنها حصلت ¯ فسادا¯ على مليون وستمئة الف طن من الفوسفات عالي الجودة ( وسعره 150 ¯ 210 دولارات), بفارق سعر للكمية قدره 200 مليون دولار, خسرتها الشركة لصالح الفاسدين المحليين وشركائهم في كوارتز. وثانيهما عقد مع شركة أسترا غلوبل ومقرها دبي, يعتمدها كوسيط لبيع مادة السماد الأردني بفارق سعر ¯ لصالحها ¯ قدره 172 دولارا للطن الواحد, بينما لا توجد حاجة لهذه الوساطة بالنظر إلى الطلب الهندي المباشر الكثيف على السماد الأردني ووجود وكلاء مستعدين لتسويقه في الهند وسواها ¯ مقابل العمولة فقط ¯ وبالأسعار العالمية.
جرى الكشف ¯ حتى الآن ¯ إذاً, عن أسلوبين من اساليب الفساد في الفوسفات لما بعد الخصخصة ¯ وبسببها ¯ هما (1) التلاعب في أصناف الخام (2) تلزيم بيع السماد لوسيط معتمد.
لكن المأساة تظل تكمن في الخصخصة نفسها. فهي فوتت على الخزينة, منذ العام ,2007 مئات الملايين التي ذهبت بلا جدوى لصالح الشريك الذي لم يفعل شيئا سوى حصد الأرباح وتمكين الفساد من التفنن في حصد مئات أخرى من الملايين في بلد يعاني من المديونية والعجز بحيث انه سيضطر إلى حرمان فقرائه من الخبز الرخيص.
يُراد من الخصخصة, نظريا, ما يلي: ضخ الأموال, تطوير التقنيات والمهارات والخبرات, تفعيل الإدارة, التوسّع, وفتح الأسواق الخارجية. وهي, كلها, لم تحدث في خصخصة الفوسفات. فقد اشترى الشريك 37 بالمئة من اسهم الشركة وحق إدارتها واحتكارها, مقابل دريهمات, ولم يطوّر شيئا في عملها سوى أساليب الفساد, ولم يفتح لها أسواقا جديدة, بل قيّدها بوسطاء يحققون الأرباح المضمونة الطائلة على حساب البلد.
سيقال: لكن أنظر كيف حققت الشركة ¯ بعد الخصخصة ¯ نتائج جيدة في أرباحها عما كان عليه الحال قبل الخصخصة. والإجابة لدى دراسة رسمية تبيّن أن أرباح ما بعد الخصخصة, نجمت عن الارتفاعات المتتالية في الأسعار العالمية للفوسفات الخام الذي ارتفع سعر طنه من 45 دولارا العام 2006 إلى 135 دولارا العام 2007 إلى 430 دولارا العام .2008 وهي ارتفاعات غطت الأرباح وموّهت على الفساد معا.
ولتكوين فكرة عن حجم الدخل المهدور ¯ بالفساد أو بسوء الإدارة أو بكليهما معا ¯ من تصدير خام الفوسفات عبر تلزيم شركات وسيطة , يمكن مراجعة ميزانية الشركة للعام ,2011 حيث تقول الأرقام ان الشركة باعت خام الفوسفات, خلال العام المعني, بسعر 84 دولارا للطن, بينما سعره العالمي 175 دولارا للطن. وبحساب الكميات المصدّرة, يتضح أن ‘جهة ما’ حصدت, خلال عام الربيع الأردني, 682 مليون دولار فسادا صافيا.
العرب اليوم