عمون- ردا على قرار زيادة أسعار المشتقات النفطية، وقعت هبة شعبية متوقعة، لكن بالنظر إلى أن شعاراتها السياسية العالية، لم تكن متوقعة، نشأ، على الإثر، مشهد بالغ التعقيد، أظهر وجود خلخلة في بنية الصيغة السياسية القائمة. وهو ما فتح شهية الأجندات المشبوهة للتحرك. وسأركز اليوم على إحداها التي عبّر عنها بيان مات في مهده، ولكن دلالاته تظل حاضرة بقوّة.البيان الذي ادعى أنه صادر عن ‘قوى قومية’ طالب بقيام ‘حكومة إنقاذ وطني’. وهو مطلب شعبي حظي بالإجماع. لكن البيان يجعل من أولى مهمات هذه الحكومة، إلغاء قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية، وتعديل قانون الانتخابات وفقا لذلك!
ما علاقة زيادة أسعار المشتقات النفطية بهذا المطلب؟ وهل تكمن أزمة البلد في ‘فك الارتباط’ أم في سيطرة نهج البزنس والخصخصة واقتصاد السوق النيوليبرالي وما ينشئه من سياق للفساد الكبير وتكوين الثروات على حساب الأغلبية المفقَرة والمهمّشة؟ وهل هبّ الأردنيون دفاعا عن حقوقهم المعيشية في مواجهة الفساد أم من أجل قانون انتخابات توطيني؟
‘بعضهم’ استغل حالة الغضب، وأجرى اتصالات مع شخصيات وقيادات قومية ويسارية واقترح إصدار بيان يطالب بقيام حكومة إنقاذ وطني لإدارة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وما نشأ عنها من أزمة سياسية. وبما أن هذه المطالبة تحظى بالشعبية، فقد حصل ذلك البعض على توقيعات هاتفية، ثم أدخل على البيان، مطلب إلغاء قرار فك الارتباط، أي أنه استغل المشهد السياسي لكي يخلط الحابل بالنابل، ويمرر فكرة صهيونية في بيان ‘ قومي’!
ذهلتُ عندما قرأت في ذيل البيان أسماء شخصيات وطنية، منها ـ مثلا ـ اسماء الصديقين الدكتور هاشم أبو حسان وضرغام هلسا. وقد دُهشا وغضبا للتزوير الذي جرى على البيان، وطلبا مني إدانته باسمهما. وأنا على يقين بأن معظم الموقعين هم ممن جرى الحصول على توقيعاتهم هاتفيا على صيغة ما، ثم جرى تزويرها، لاحقا، بما يخدم أجندة صهيونية.
المرحلة مضطربة للغاية، وتعمل في البلد خلايا معادية مرتبطة بأجهزة مخابرات إقليمية ودولية؛ ولذلك، فإنني أتوجه إلى جميع الأصدقاء والرفاق ألاّ يمنحوا تواقيعهم لأي بيان إلا بعد الاطلاع على نصه، والاحتفاظ بنسخة منه، درءا لاستخدام أسمائهم في دعم مواقف مشبوهة.
ونأتي الآن إلى أجندة المطالبة بإلغاء قرار فك الارتباط مع الضفة الغربية، ونقرر أنها أجندة صهيونية، سواء أكانت تحمل يافطة ‘قومية’ أم ‘إسلامية’ أم ‘يسارية’؛ وذلك لأنها..
(1) تأتي في مواجهة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، بما في ذلك تعزيز الانقسام الحاصل بين الضفة الغربية وغزة، والتمهيد لإلغاء المشروع الوطني الفلسطيني واستعادة صيغة غزة المصرية والضفة الأردنية،
(2) وتأتي في سياق تعزيز فكرة إقامة كونفدرالية مع ضفة بلا معظم أرضها، أي، في الواقع، مع سكانها. وهي صيغة لإتمام مشروع الوطن البديل، وحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن،
(3) وتأتي ضد إرادة الشعبين، الفلسطيني والأردني، اللذين يعود إليهما، وحدهما، وفي أعقاب التحرير الكامل والعودة الكاملة ـ لا قبلهما ـ أن يقررا شكل العلاقة بين دولتيهما، وفي سياق عربي. فالوحدة ـ وهي هدف عزيز على الوطنيين العرب ـ ربما تكون هدفا مشبوها إذا لم تكن في سياق برنامج قومي تحرري. والسؤال الكاشف هنا هو لماذا لا تظهر الحساسية القومية، عند البعض، إلا فيما يتصل بالمشاريع الوحدوية مع الضفة الغربية؟ ولماذا تغيب عند هؤلاء الحماسة للمشاريع الوحدوية مع الشام والعراق مثلا؟ والجواب أننا لسنا بإزاء قوميين حقيقيين، بل بإزاء دعاة متخفين للوطن البديل رفقة سذّج ومهابيل ممن تلحس عقولهم الشعارات الزائفة بلا تفكير. ‘العرب اليوم’
بيان مشبوه
Posted in Uncategorized.