ناهض حتّر
في الذكرى الخامسة لاحداث 11 ايلول، يظهر لي ان طرفي الصراع الارهابي العولمي، واشنطن والقاعدة، قد خسرا، معاً، معركة العقول والقلوب. وهذه نتيجة متوقعة – فكلاهما غير عقلاني وغير انساني – وكلاهما – في الواقع – خسر حربه الاستراتيجية: لم تتمكن الولايات المتحدة من فرض هيمنتها في اي مكان ولم تستطع «القاعدة» استنزاف امريكا. وبالمحصلة، لم تعد خطابات جورج دبليو بوش او اسامة بن لادن – واخوته – تلقى الاصغاء.
منذ 11 ايلول ،2001 حين كان العالم كله يتعاطف مع الولايات المتحدة الامريكية، وتلقى دعايتها حول «الاصلاح الديمقراطي»، الرواج، شنت العصابة الحاكمة في البيت الابيض، سلسلة من الحروب – مباشرة – في افغانستان ثم العراق، وبواسطة الحليف الاسرائىلي في فلسطين ولبنان، وهي تستعد لحرب جديدة ضد ايران والسودان.
في كل هذه الحروب فشلت واشنطن في تحقيق انجازات سياسية. وحصدت – بدلا من التعاطف والتأييد – العداء والكراهية، ليس بالنسبة للعرب والمسلمين والمستضعفين فقط، بل ان العداء لأمريكا اصبح – عبر الكوكب – شارة ثقافية، اي واحدة من الدلالات الحاسمة على الموقف الثقافي او على كون المرء مثقفاً. وبالنسبة للشعوب اصبح العداء لامريكا، شارة سياسيّة.
ظهر الحكام الامريكيون خلال السنوات الخمس الماضية. على حقيقتهم – كمجرمين سفّاحين وقتلة وقطاع طرق ولصوص نفط ومخربي دول وسجانين وجلاّدين وعنصريين ورعاة للعنصريين، مهووسين بالقتل الجماعي للمدنيين والتدمير العشوائي للمنشآت المدنية. حضورهم يتحقق بقوة النار – غير المسبوقة في التاريخ – لكنه يسقط في السياسة، حيث تقوم المشاريع الامريكية، المسماة «ديمقراطية» و «عصرية» على استعادة الانقسامات الماضوية، الدينية والمذهبية والاتنية، من مزابل التاريخ، وتدويرها – بقوة النار – في حاضر المجتمعات المنكوبة بالغزو اللصوصي العنصري. هكذا تحول بلد علماني موحد متقدم – نسبياً – مثل العراق، بالحصار والغزو الى بلد ممزق طائفياً واتنيا- ً تحكمه العمائم – متخلف ومدمَّر كلياً. وبينما فشلت قوات الاحتلال في الصمود امام المقاومة الوطنية، فهي استفادت من عدوها الاسطوري «القاعدة» لكي تُغرِق العراقيين بالدم، محركة – مباشرة او بواسطة عملائها – سلسلة لا تنتهي من المجازر الطائفية. فقد اصبح معروفاً الآن ان معظم تلك المجازر هي من تخطيط وتنفيذ الامريكيين.
واشنطن التي تقاتل «سنة» العراق بضراوة استئصالية، امرت، في تموز الماضي، أداتها الصهيونية بشن حرب ابادة ضد شيعة لبنان. وما زالت كلمات وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس، الفاشّية، عالقة في الآذان. فهي رأت، في الحرب الاسرائىلية الاجرامية على لبنان، «آلام المخاض لولادة الشرق الاوسط الجديد»! كان الدمار هائلا، لكن الحَمْل كان كاذباً. وبالنتيجة خسرت واشنطن، آخر معاقل الدعاية الامريكية في المنطقة، لبنان، حيث كانت ما تزال قوى جماهيرية، قبل الحرب، تصدق الاكاذيب الامريكية.
بوش – الذي راهن على الشيعة في مواجهة السنّة، ثم راهن على السنّة في مواجهة الشيعة، توصل الى استنتاج ان المسلمين، سنة وشيعة، يشكلون «عدوا واحداً» لواشنطن. وهذا صحيح. لكن على بوش ان يضيف الى قائمة اعدائه المسيحيين العرب ايضاً لكي تكتمل الصورة.
وخارج العالم العربي والاسلاميّ، تكاد الشعوب تُجمع على ان الخطر الاساسي الذي يواجه العالم، في أمنه ورفاهه وحرياته وسلامة بيئته، يكمن في السياسات الامريكية.
امريكا اللاتينية تستعيد مشروعها اليساري المعادي لليانكي «الامريكي الشمالي» وقد حققت القارة الثورية، في السنوات الخمس الماضية، انتصارات كبرى في مواجهة الامبريالية وشركاتها وعصاباتها.
في اوروبا – وحول العالم – ينهض يسار جديد وآلاف المنظمات المناهضة للعولمة الرأسمالية والليبرالية الجديدة والحرب..
فماذا يبقى، اذاً، من نظرية اسامة بن لادن حول انقسام العالم الى فسطاطين: مسلم وكافر. ان الجبهة العالمية المضادة للامبريالية تضم ما لا حصر له من الشعوب والثقافات والاديان والاتجاهات الفكرية والتيارات السياسية، مسلمين ومسيحيين ويهودا وبوذيين وهندوساً وعلمانيين الخ.
سقطت نظرية «الفسطاطين» .. وظهر الارهاب ضد المدنيين – على حقيقته – بوصفه حليفاً موضوعياً للاستعمار الامريكي، عنصرية تغذي عنصرية. وارهاباً يغطي ارهاباً.
تقسيم العالم على اساس ديني هو الذي ادى في النهاية الى تقسيم العرب – والعراقيين – على اساس مذهبي. وقتل المدنيين الامريكيين والاوروبيين.. انتهى الى القتل على الهوية الطائفية في العراق.
روح العالم انتفضت ضد الارهاب، امريكياً تحت شعار «الديمقراطية» ام بن لا دينياً تحت شعار « الاسلام»، وقدمت البديل عن صراع الحضارات، بالصراع الموحد للشعوب ضد الامبريالية والليبرالية الجديدة والحرب، نضالاً مدنياً ومقاومة ملتزمة، ورؤية انسانية.