بهدوء | «وادي عربة»؛ هل انتهت اللعبة؟

في الذكرى العشرين لمعاهدة السلام الأردنية ـ الإسرائيلية، المعروفة بمعاهدة «وادي عربة»، أطلق الملك عبد الله الثاني والمسؤولون الأردنيون، في الإعلام والكواليس السياسية والدبلوماسية، سلسلة من التصريحات الغاضبة إزاء إسرائيل، بسبب إجراءاتها العدوانية في القدس الشريف. الكاتب الإسرائيلي، آساف ديفيد، يعتبر أن هذه الحملة ليست سوى محاولة استرضاء «جبانة» للرأي العام الأردني. يقول ديفيد: «كان الملك حسين ملكاً عربياً. ابنه عبدالله، في المقابل، ملك غربي. وهو ما يسهّل التفاوض معه، إنما يقيّده، أيضًا، في مسار علاقاته مع شعبه، وفي قدراته، بل وفي شرعيته»؛ فهل الأمر كذلك، أم أننا نشهد تغيّرات جدية في العلاقات الأردنية ـ الإسرائيلية؟
لعمّان، وفق معاهدة «وادي عربة»، حق سيادي على المقدسات الإسلامية في القدس ـ التي تُدار بوساطة موظفين لدى الحكومة الأردنية ـ بينما لا يزال بطاركة المدينة المقدسة، يثبّتون في مواقعهم الكنسية، بمرسوم ملكي. وإذا كان هذا الحق ـ الذي تعترف به السلطة الفلسطينية وفق اتفاق ثنائي ـ ذا طابع رمزي بالغ الأهمية بالنسبة للعائلة الهاشمية وشرعيتها، فهو، بالنسبة للدولة الأردنية، يمثّل شأناً سياسياً رئيسياً يتعلق بالاعتراف بدور الأردن والحفاظ على مصالحه في أي تسوية نهائية للقضية الفلسطينية. ومن هذه المصالح ملف اللاجئين والنازحين، وملف الحدود والمعابر مع الضفة الغربية، ومجمل الترتيبات المستقبلية مع الدولة الفلسطينية.
في الأساس، كان هذا هو جوهر معاهدة وادي عربة، العام 1994؛ فقد اعترفت عمان، قانونياً، بإسرائيل، وأنهت حالة الحرب والمطالبات بشأنها، وقدمت تنازلات في الأرض والمياه والدفاع، ووافقت على التنسيق الأمني والعلاقات الاقتصادية، مقابل الاعتراف الإسرائيلي بالمملكة الأردنية الهاشمية، ومصالحها في التسوية النهائية للقضية الفلسطينية.
لطالما اعتبر اليمين الإسرائيلي، أن الأردن ليس سوى الجزء الشرقي من «أرض إسرائيل»، وإن الإسرائيليين قبلوا بتقسيم فلسطين التاريخية: غربها، بين النهر والبحر، لليهود، وشرقها، بين النهر والصحراء، للفلسطينيين. وهذه السردية التي يراوغ اليسار الإسرائيلي في شأنها، وتلقى تأييداً لدى أوساط أميركية متزايدة، شكلت، دائماً، هاجساً جدياً للنظام الأردني الذي رأى، والحالة هذه، في الاعتراف الإسرائيلي بكيان المملكة، مكسباً يعادل، كما صرّح رئيس الوزراء، عبدالسلام المجالي، في حينه، «دفن مشروع الوطن البديل».
لكن ذلك المشروع ظلّ حياً يسعى؛ فدفنه، فعلاً، يتطلب بناء واقع سياسي جديد في الضفة والقطاع؛ ينهي الاحتلال والمستوطنات والاعتداءات، ويضمن حق العودة، ويسمح بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة، مستقلة إزاء إسرائيل، ومرتبطة بعلاقات مميزة مع الأردن. وكان المفروض أن يحصل كل ذلك في غضون خمس سنوات بعد التوقيع على اتفاقيات أوسلو 1993، أي في العام 1998. وها نحن الآن في سنة 2014؛ لم يتحقق أي من تلك الأماني.
اليوم، هناك مستجدات كبرى، ترى إسرائيل، معها، أنه آن الأوان لتصفية الحسابات؛ فمحور المقاومة والممانعة منهك ومنهمك في حرب دفاعية ضد الإرهاب، بينما دول محور الاعتدال القديم، تعيش سلسلة من الأزمات التي تجعلها خارج التأثير في القضية الفلسطينية؛ فمصر مستنزفة بالانقسام السياسي والإرهاب والمشكلات السكانية ـ الاقتصادية العميقة، والسعودية ترى أنها مهددة من التمدد الإيراني، في اليمن والبحرين والداخل، وتستنزف نفسها في الصراعات الإقليمية، ما يجعل القضية الفلسطينية، خارج اهتمامها؛ هكذا، يجد الفلسطينيون والأردنيون، أنهم تحوّلوا فريسة سهلة لحكام تل أبيب، الذين كشّروا عن أنيابهم ، وشرعوا في حسم ملف القدس نهائياً.
القدس، رمزياً وسياسياً وواقعياً، هي الميدان الإسرائيلي الأول للإطاحة بكل التفاهمات والاتفاقيات السابقة، وإعادة تدبير المشهد الفلسطيني كله وفق ما تراه تل أبيب: دويلة مدجّنة أو محاصرة في غزة، وضمّ حوالي الستين في المئة من الضفة الغربية، ووضع الفلسطينيين في معازل جغرافية تتمتع بالحكم الذاتي، ما سيؤدي إلى تفاقم الهجرة الفلسطينية، بدلا من حق العودة، وتهديد الكيان الأردني.
يناور الملك، المتوجس من انقلاب إسرائيلي تجاه الأردن، على كل الجبهات، ويشنّ حملة هدفها القول للإسرائيليين، إنه يملك أوراقاً، لوّح باستخدام أهمها، أي تجميد معاهدة السلام والتنسيق الأمني بين الدولتين، بينما تناقلت التسريبات الصحافية، تهديده ب «تشكيل حكومة ائتلافية تشمل المعارضة الوطنية»، و«تطوير العلاقات مع إيران».
يريد الملك، على الأرجح، إظهار مقدار قلقه إزاء «التطرف الإسرائيلي» الذي عدّه، في حديث مع برلمانيين، الوجه الآخر للإرهاب، وتصعيد الضغط لكبح جماح نتنياهو؛ المشكلة أن المشروع الصهيوني الخاص بالأردن، لم يعد أطروحة متطرفين تتجاوب معها، تكتيكياً، حكومة يمينية، بل يمثّل استراتيجية اجماع صهيوني يرى، في الظروف القائمة، فرصة لإنهاء اللعبة المستمرة مع عمّان منذ عشرين عاماً.

Posted in Uncategorized.