إنها مرحلة نوعية جديدة من الصراع الدموي المديد في المشرق، تلك التي أعلن عنها الأمين العام حسن نصرالله. لسنا، فحسب، أمام قرار حزب الله بالمبادرة ـــ المتأخرة، بنص كلام نصرالله، سنة ونصفاً ـــ إلى كسر فكّي الكمّاشة اللذين يكادان يطبقان على وجوده: إسرائيل جنوباً والإرهاب شمالاً، وإنما، بالأساس، انتقال الحزب، كقوّة مقاتلة، من المحلي اللبناني إلى المشرقيّ، وتالياً العربيّ والدوليّ. بذلك، تحوِّلُ المقاومةُ لبنانَ الصغيرَ إلى لاعب إقليمي رئيسي في نتيجةٍ، تحدث كمعجزة تاريخية، جرّاء حساباتٍ خارج الماديّ، بل بحسابات الإرادة والدمّ.
وراء جبران، يكرر نصرالله: «لكم لبنانكم بكل ما فيه من الأغراض والمنازع، ولي لبناني بما فيه من الأحلام والأماني». لكنها، اليوم، أحلام تتجسّد في إرادة فاعلة، وأماني يسندها العزم والدم… لبناني ـــ أنا نصرالله وصحبي ـــ مجيد كبير، بحجم استقلاله ودوره.
يليقُ بلبنان هذا الدور لثلاثةٍ: أنه الرائد في العروبة الحضارية، والرائد في الثقافة التقدمية، والرائد في المقاومة الحقيقية. وها قد جاء الوقتُ لكي تصبّ الرياداتُ في المعجزة التي كسرت الشروط الموضوعية وموازين القوى، ووضعت لبنان الصغير، استراتيجياً، في حجم الكبار من دمشق إلى بغداد إلى طهران إلى موسكو، لا بل حوّلته إلى دينامو هذا الحلف المتكوِّن في لهيب الضرورة التاريخية لنشوء العالم المتعدّد الأقطاب.
■ ■ ■
في قلب كل ذلك، فإن حزب الله لا يغامر، ولا يستثمر الدم في دورٍ؛ فالمهمة، بالنسبة إليه، هي، بالدرجة الأولى، مهمة دفاعية بامتياز. ذلك أن المشهد المتكوّن حوله، هو، بالفعل، مشهد الكمّاشة: من الشمال هجمة الجيش التكفيري للحلف الأميركي الخليجي الإسرائيلي، تطلّ على لبنان من غربيّ العاصي، وتكاد تعطّل أهم خطوط الإمداد للمقاومة، ومن الجنوب، تستعد إسرائيل ــــ مستغلةً ضغوط الحرب السورية على الحزب والموجة المتصهينة في المنطقة العربية التركية ــــ لشن عدوان انتقامي على جنوب لبنان، لا يثأر، فحسب، لهزيمة 2006، وإنما يطمح إلى تنفيذ مشروعه القديم ــــ الجديد، أي اجتثاث المقاومة وتأديب حزب الله، واستعادة ذلك اللبنان الضعيف الأسير في قبضة الردع والتدخل الإسرائيليين، بل ربما إلى استعادة الشريط الحدودي وجيش لبنان الجنوبي أو اتفاقية أكثر اذلالا من اتفاقية 17 أيار. هكذا تغدو المعركة ضد الإرهابيين في قصير حمص، هي نفسها المعركة ضد الإسرائيليين في الجنوب اللبناني؛ إنها معركة واحدة، لا بالمعنى الاستراتيجي فقط، بل بالمعنى التكتيكي أيضا. في القصير يقاتل حزب الله عن مارون الراس.
بلا فتوى، و«بكلمتين»، يستطيع حزب الله أن يجمع حوله عشرات الألوف من المقاتلين المتطوعين لخوض الحرب على الجبهتين، الشمالية والجنوبية. ليس في ذلك محض استعراض للقوة، بل إقرار لواقع يتمثل في قدرة المقاومة على القتال، في آن واحد، ضد التكفيريين والإسرائيليين معا، بل قل ضد الوهابية ـــ الصهيونية، بجناحيها؛ فليحذر الجناحان من الخطأ القاتل في الحسابات. إلا أن المعركة الراهنة الآن، هي معركة تأمين ظهر المقاومة وظهيرها. والانتصار في هذه المعركة، ضروري، فهو، إذاً، حتميٌ بالنسبة لأولئك الذين علّموا التاريخَ أولوية الإرادة، مستعدين، دائماً، لتسديد أتاوته. وهو انتصار سيحفظ لكل اللبنانيين، وطنهم قوياً مستقلاً تعددياً قادراً على استغلال امكاناته وثرواته وتحقيق الأرضية اللازمة للثورة الاجتماعية الداخلية.
■ ■ ■
لكن لمعركة حزب الله في سوريا، بعدٌ لبناني مشرقي. إنه الدفاع عن روح المشرق التعددي في مواجهة الحملة الهمجية لإلغاء الآخر، بإخضاع السنّي غير الوهابي، بل غير القاعديّ، إلى خيار أن يكون وهابياً قاعدياً قاتلاً أو مرتداً مقتولاً، واجتثاث أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى بالذبح الحلال، وتهجير المسيحيين، وتحريم العلمانية واليسار والقومية، واستعباد النساء من كل الملل.
هذه المعركة، معركة المقاومة ضد الهمجية، وحدها، جديرةٌ بأن تُخاض، لا دفاعاً عن الشيعة، بل عن السنّة أولا، والمسيحيين ثانياً؛ وبذلك فهي معركة الدفاع عن لبنان، الصورة المصغّرة للمشرق التعددي. وقد وهبنا الله الرحمن الرحيم، حزبه المستعدّ ليخوض المعركة، نيابةً عنا جميعاً، جنباً إلى جنب مع جيش المشرق الباسل، الجيش العربي السوري. وطالما أن الهجمة الهمجية من سوريا إلى العراق إلى فلسطين والأردن، تمضي في خط واحد، هو الخط الوهابي الصهيوني، فإن إرادة حزب الله ووعيه وقدراته، تحوّله، اليوم، إلى قوة مشرقية.
■ ■ ■
على المستوى الإقليمي ــــ الدولي، معركة حزب الله المزدوجة، تحوّله الحجرَ الكريمَ الثمينَ الذي يسند جداراً يُشادُ لحرية الشرق كله من الاستعباد الأميركي ــــ الصهيوني، ويكتب، بالدم، دور لبنان الاستثنائي في ولادة العالم المتعدد الأقطاب.
بهدوء | نصر الله: لكم لبنانكم ولي لبناني
Posted in Uncategorized.