مرةً بعد مرة، تتأخر وعود النظام السوري ــــ ومعارضيه المسلّحين ــــ بالحسم، بل تتبخّر؛ فهل سيكون على هذه الحرب الضروس أن تستمرّ بلا نهاية؟
يورد الطرفان مسوّغات عديدة لعجزهما عن الحسم؛ تقع، كلها، في باب الأسباب العسكرية والفنية. غير أن ذلك العجز المزدوج، هو، في الأساس، فكري وسياسي. فالقوى المتحاربة لا تنتصر بالسلاح، وإنما بالأفكار أولاً.
تورّطت الجماعات المعارضة بسلاحها، وفقدت، بذلك، التفوّق المعنوي اللازم لنجاح أي معارضة أو ثورة، ثم تحوّلت إلى أدوات تخوض حرباً دولية وإقليمية، بالوكالة، ضد وطنها. وطالما أنها اختارت طريق الحرب، في ظل ظروف دولية غير مواتية، أصبحت ملزوزة إلى الإفادة المتعاظمة من العصابات الإجرامية المحلية والمنظمات الإرهابية من شتى بقاع العالم. وقد انعكس ذلك على خطابها وممارساتها الميدانية، بصورة بشعة عنوانها التقتيل والتدمير والتسلّط والظلامية، ولم يعد لديها لرفد وتبرير حربها المجنونة، سوى التحشيد المذهبي والطائفي؛ إنها، في الأخير، ميليشيا المظلومية السنيّة في سورية. وبما أن الذين تصدوا لرفع الراية السنية هم الإخوان المسلمون والسلفيون الجهاديون، سيكون على السنّة السوريين الامتثال الكامل للتسلط الإخواني السلفي، بكل أشكاله.
في قلب هذا الخطاب، يكمن عجز الجماعات المسلحة عن الحسم؛ فهي لا تستطيع أن تقدم بديلاً وطنياً من شأنه أن يكسب الكتلة الحرجة من السوريين المتعددي الأديان والمذاهب والإتنيات والثقافات الحياتية والميول الفكرية ـــ السياسية.
المذهبية والطائفية، بالمقابل، ليستا إطارا ملائما لخطاب فكري سياسي بالنسبة للنظام السوري. وقد يستخدمهما ضمنا للتحشيد الفعلي، ولكنه لا يستطيع اعتمادهما كخطاب من دون أن يخسر شرعيته الوطنية، ويحكم على نفسه، تاليا، بالسقوط السريع والحتمي.
يخوض النظام السوري، حربه، بلا خطاب؛ ولكن بمقاربات هي ردود أفعال على الخطاب المعارض: فحين كان الأخير ليبراليا، ذهب ذلك النظام إلى معالجات من الجنس نفسه؛ فانخرط في تعديلات دستورية وانتخابات وتوسيع إطار الحكومة والدعوة إلى الحوار الخ. وبغض النظر عما إذا كانت هذه المعالجات كافية أم لا، فالمهم أنه لعبها بشروط مقاربة المعارضة، ثم واجه مذهبية التمرّد بنفي طابعه ذاك، رافضا الاعتراف بالحرب الأهلية. وفي الأثناء، استخدم سلاحه السياسي الأكثر مضاء، تاريخه وموضعه في سلك المقاومة. هنا، سيكون للضربة التي وجهتها حماس بخروجها من دمشق ـــ من دون أن يعتبرها ضلعا مثلث المقاومة الآخران، إيران وحزب الله، خائنة أو يقاطعاها ـــ تفاعلات سلبية متنامية على صورة النظام السوري كمركز مقاوم. وحتى اللحظة المنيرة لتوزير المعارضين الوطنيين (الشيوعي قدري جميل، والقومي الاجتماعي علي حيدر)، تبددت، لأنهما لم يتمكنا من تشكيل الخطاب العام لنظام يخوض حربا بلا تعريف ولا خطاب.
في مرتين متباعدتين، أفصح الرئيس بشار الأسد عن موقفين يمكن أن يشكّلا أساسا لخطاب الحسم؛ وصف الحرب في سورية، بأنها «صراع بين القومية العربية والإسلام السياسي»، ثم بكونها «دفاعا عن الدولة العلمانية الوحيدة الباقية في الشرق». لكن هذين الموقفين بقيا في خانة التصريحات، ولم يتحوّلا إلى خطاب يغطي الحرب، ويعرّفها، ويسمح بالتحشيد لحسمها. وأنا أغامر بالقول إن النكوص عن هذين الموقفين، يعود إلى القيود الفكرية التي يفرضها التحالف الضروري مع إيران؛ فهي ليست عربية ولا علمانية.
لكن التحالفات الفعّالة هي التي تقوم على التعددية؛ بل يمكننا القول إن خسارة الخطاب اللازم للحسم، لا يعوّضه أي حليف. هنا نأتي إلى العمود الثالث الغائب من الخطاب الغائب، جراء التحالف مع الرأسماليين المحليين، أعني الايديولوجية الاجتماعية التقدمية.
لكي تتمكن دمشق من الحسم، عليها ، أولا، أن تذهب للاصطفاف في «ميدان التحرير»، وتُدرج حربها في سياق خطابه ضد الإسلام السياسيّ، ومن مواقع أكثر جذرية، في العروبة والعلمانية والعدالة الاجتماعية، وعليها، ثانيا، أن تحشد القوميين والعلمانيين والاشتراكيين من سورية والعالم العربي والعالم، وراءها، ليس فقط في الصراع الفكري والسياسي والإعلامي، وإنما، أيضا، في كتائب الأنصار الأممية ضد العدوان الإمبريالي والرجعي الظلاميّ الإرهابيّ؛ ارفعوا الرايات المنكّسة… نريد أن نقاتل.
بهدوء | لماذا يتأخّر الحسم؟
Posted in Uncategorized.