(1)
الاعتراضات على شرعية رئاسة بشار الأسد، سقطت سريعاً؛ بضعة تعليقات عابرة وصمت، وفي النهاية، اعتراف واقعي بأن أغلبية سياسية سورية تقف وراء الرئيس؛ في الوقت نفسه، هناك الاعتراف الصريح بالجيش العربي السوري، بتماسكه وصلابته وقدراته وإنجازاته على الأرض. بالإضافة، تتوالى المصالحات المحلية والجهوية، وكذلك السياسية؛ من المنتظر أن تشمل الحكومة السورية الجديدة، معارضين ومستقلين. اتضح اليوم أن في سوريا دولة وطنية مدنية لم تتفكك، برغم كل ما حدث، وحافظت على أجهزتها وعملياتها… إلخ.
(2)
في هذه اللحظة، تتزعم منظمة «داعش» الإرهابية، التمرد المسلح في العراق، وترتكب أبشع المذابح، وتهدد الأمن الإقليمي كله؛ يتباطأ القرار الدولي حتى تنجلي الصورة: ما هو حجم «داعش» ـــ النقشبندية البعثية إزاء حجم القبائل ومنظمات ضباط الجيش السابق في ذلك التمرد؟ هل يمكن الأخيرة احتواء «داعش» وفرض تغييرات سياسية في بغداد في الآن نفسه؟ لكن قوة «داعش» التنظيمية والعسكرية وإمكاناتها التسليحية والمالية، وعنفيتها الإجرامية الهمجية، كلها تفرض سيطرتها على التمرد؛ سيجري ابتزاز بغداد، لكن الإجماع الدولي لمواجهة «داعش» لن يتأخر كثيراً؛ هل يمكن منح الغطاء السياسي لمقاتلة «الدولة» في العراق من دون غطاء مماثل في سوريا؟ ليس ذلك وارداً بالطبع، مثلما هو غير وارد الآن التمييز بين «داعش» و«النصرة» والجماعات السلفية المقاتلة الأخرى في سوريا؛ التفويض الدولي سيشمل، موضوعياً، القتال ضد جميع تلك الفصائل. هذه هي الورقة الثانية في أيدي الأسد.
(3)
معركة الإرهاب الجيوسياسية التي تتوقع أنها ستحقق شيئاً انتقلت الآن إلى العراق؛ حيث الحاضنة الاجتماعية المذهبية الساخنة تحتضن كل ألوان المتمردين، في مواجهة جيش ضعيف في تماسكه وتدريبه وتسليحه وقدراته؛ العراق الآن هو مغناطيس الإرهابيين الأجانب، سيهاجرون، حتى من سوريا، إلى ميدان الجهاد الجديد. تكتيكياً، هذه اللحظة فريدة للانقضاض على الجماعات الإرهابية على الأراضي السورية؛ منذ أول من أمس، بدأ الطيران السوري بقصف مواقع «داعش»؛ نادراً جداً ما حدث اشتباك كذلك سابقاً، لكن الحظة جاءت.
(4)
في المعركة السريعة لتحرير كَسَب، كان هناك ما يشبه الاستسلام من قبل عناصر «النصرة» والتنظيمات المسلحة الأخرى؛ انسحبت وهي تتجرع المرارة بسبب «عدم توافر الذخائر»؛ في الواقع، ربما أكثر بسبب اليأس؛ وبينما رفض الأتراك استقبال الإرهابيين إلا الجرحى من الحالات الخطرة، جرّ مَن كانوا إلى الأمس القريب يتوعدون اللاذقية، خيبتهم إلى ريف إدلب؛ ماذا سيفعل المهزومون هناك سوى توقع هزيمة جديدة أو البحث عن مهرب إلى العراق؟
(5)
تركيا الأردوغانية الإرهابية هي اليوم على عتبة تغيير مفروض بقوة التطورات؛ سياسات أردوغان تصطدم بانفجار الظاهرة الإرهابية إقليمياً؛ تقديراته المستندة إلى دوافع مذهبية حقود، وإلى حسابات التمدد في سوريا والعراق، والإمساك بالملف الكردي، يواجهها قلق مؤسسة الحكم إزاء ارتداد كل ذلك على أمن تركيا. ومع الاتجاه الدولي إلى منح الأولوية لمكافحة الإرهاب، ستكون لعبة الغازي المهووس الإرهابي في انقرة قد انتهت.
(6)
السعودية ، وقد رأت جنونها يصل إلى ذروته، وقد يصلها مردوده قريباً جداً، بدأت بالاستدارة في بيان يدعو إلى «حكومة وحدة وطنية تعيد الأمن والاستقرار إلى البلاد»؛ ليس لدى الرياض خيارات أخرى في العراق؛ فالدعم الإيراني ـــ غير المرفوض أميركياً ـــ لبغداد، (وهنا، علينا التوقف عند تصريح وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، الداعي إلى التنسيق مع طهران بشأن الوضع في العراق) سيحول دون سيطرة المتمردين، من كل الفصائل، على العاصمة؛ فالتوغل جنوباً يعني حرباً طائفية غير مسموح بها دولياً. بالمقابل، انقسام المحافظات العراقية السنية في إقليم يعجّ بالفصائل المسلحة المتعددة المشارب والتوجهات، التي يبرز من بينها تنظيم «داعش» بوصفه الأقوى، سيشكّل عبئاً أمنياً غير مسبوق، سواء من جهة العراق أو عبر الأردن، على السعودية التي ستنتظم الآن، شاءت أو أبت، في أي غطاء دولي مضاد للإرهاب؛ الطريق الوحيدة السالكة أمامها هي التفاهم مع دمشق.
(7)
بعدما بدأ إرهابيو «داعش» الاقتراب من الحدود الأردنية، لم تعد عمان في وارد الضلوع في أي مخططات على الحدود الشمالية مع سوريا؛ تحشد المزيد من القوات تحسباً من تسلل الإرهابيين إليها من الشرق (والمعلومات تتوالى عن اصطياد متسللين فعلاً، وضبط سيارتين مفخختين حاولتا عبور الأراضي الأردنية) وتتحسب من هجرة عراقية جديدة، ولم يعد بإمكانها سوى الاتكاء على دمشق.
(8)
كردستان العراق، الشريكة ـــ موضوعياً ـــ في مؤامرة الموصل، حصلت على كركوك، ولكنها حصلت، أيضاً، على عدو قديم متجذر، ليس الإرهاب فقط، وإنما النزوع القومي العربي المعادي للأكراد؛ فحالما يستقر الإقليم العربي الكردي ستنفتح أبواب المواجهة مع أربيل والسليمانية ودهوك، وتجديد الحرب القديمة ضد كردستان المغرقة اليوم بالعنصر العربي؛ أعني أن التغيير الديموغرافي الذي كان الرئيس صدام حسين يسعى إلى إنجازه بالقطعة، يحدث اليوم بالجملة؛ وكما كان دائماً ليس أمام الكرد سوى العودة السياسية إلى الشام.
(9)
بأسرع مما كان متوقعاً، بدأ الصراع بين عناصر التمرد العراقي: جماعة عزت الدوري ضد «داعش»، و«المجلس العسكري للعشائر» ضد الفريقين معاً، داخل العشائر نفسها انقسامات تنذر بتفتيت التمرد الذي أعطته «داعش» صورتها الإجرامية، بل وسرعان ما جرت الترتيبات لإقامة قوة عسكرية من شمر للسيطرة على حدود «اليعربية» ضد «داعش» وسواهم من المتمردين؛ وكما هو معروف، لدى دمشق نفوذ تقليدي وسط القبائل، اهتز وقتاً، لكن التطورات الإيجابية، داخل سوريا، تسترده؛ وسيكون ذلك أساسياً في أي حل للأزمة العراقية.
(10)
دولياً وإقليمياً ومحلياً وميدانياً، الأوراق كلها تتجمع، مرة أخرى، بين يدي الأسد؛ ولعله من العقلاني أن تتحضر قوى 14 آذار اللبنانية لاستيعاب التطورات اللاحقة: الرئيس الأسد هو الناخب الذهبي المقبل لرئيس لبنان!
بهدوء | كل الأوراق بين يدي الأسد
Posted in Uncategorized.