على قناة «روسيا اليوم»، تتواصل حلقات فضيحة متلفزة؛ سفير منظمة التحرير الفلسطينية في القاهرة، سعيد كمال، يتذكّر… بل قل يقدّم اعترافات، بلا رتوش ولا تبريرات، وليس في ثناياها أي شعور بالذنب: كان السادات واضحاً؛ إنه غير مهتم بانضمام السوريين والأردنيين إلى مفاوضاته مع الإسرائيليين، ولكنه يعتبرها فرصة للفلسطينيين..
وكان رد ياسر عرفات واضحاً: أعطوني دولة في الضفة وغزة، وسأترك لبنان مع المقاتلين، ونجيء، كلنا، إلى القاهرة! عرفات ــــ وفقا لسعيد كمال ــــ أصرّ على استمرار التواصل مع السادات، عبره، وأرسل إلى سفيره الذي تعرّض لحملة من جماعات الرفض، بكلمتين: «نحميك بعيوننا»، واصفاً «جبهة الصمود والتصدي» ــــ التي انبرت دمشق لتأسيسها، مع عواصم عربية أخرى، في مواجهة الحل المنفرد ــــ بأنها «جبهة الخنوع والتردّي»! كشف سعيد كمال عن لقاء مبكر جداً له مع الاسرائيليين. كان يتبع خطى عصام السرطاوي، تحت اشراف قيادة فتح. يصف رائده بأنه «متنوّر»؛ مَن أيضاً؟ جميعهم «متنوّرون» ما عدا الراحل الكبير جورج حبش! لن أكرر، هنا، ذكريات سعيد كمال، بل أنصح بمشاهدتها على موقع القناة؛ جوهر ما يكشف عنه أن خيار أوسلو 1993 المستمر، لم يكن ناجماً عن التغيير الحاصل في موازين القوى بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وضرب العراق 1991، وإنما كان خياراً قديماً يقع في قلب حرب لبنان، وقد رُفع السلاح، بمقتضاه، في وجه الجيش العربي السوري منذ 1976.
ولكن، دعونا نعود إلى القصة من أولها، وأولها حرب تشرين / أكتوبر 1973؛ أرادها الرئيس حافظ الأسد حرب تحرير، وأرادها السادات حرب تحريك. وقد ترك الثاني الأوّلَ، في عزّ الحرب يخوضها الجيش العربي السوري، وحيداً. كانت حرب تشرين/ أكتوبر، بالنسبة للسادات ونظامه، آخر الحروب، مما وضع الأسد في مواجهة بيئة استراتيجية جديدة: سوريا، وحدها، لا تستطيع أن تخوض حرباً تقليدية مع إسرائيل/ الحلف الأطلسيّ، لكن سوريا ليست في وارد الاستسلام، فكان البديل استراتيجية سورية مثلّثة الأركان: (1) الحرب خارج الأسوار من خلال دعم المقاومة، (2) السعي الى السيطرة على القرار العربي لتلافي وقوعه في براثن الخط الساداتي؛ فكانت «جبهة الصمود والتصدي»، ثم المساعي المثابرة للحفاظ على الحد الأدنى من التضامن العربي في وجه إسرائيل، (3) البناء الداخلي، بما في ذلك، بناء القدرات الدفاعية. هذه الاستراتيجية المثلثة ــــ بكل تناقضاتها وتعقيداتها ــــ كانت الاستراتيجية الوحيدة الممكنة للدولة السورية. وكانت تقتضي، بالطبع، سيرورة من الصدامات والمساومات في إطار خوض صراع دام.
وعلى كل الجبهات، كان الأسد يدير المعارك، كما يقود طائرته الحربية؛ لا يذهب إلى التورّط وراء استفزازات ثورويّة طفولية أو لئيمة ــــ كما حدث مع الرئيس عبدالناصر في 1967 ــــ ولا يقبل الركوع أمام إسرائيل ــــ كما حدث مع السادات ــــ ولا يتعاطى مع ارتهان الدول والشعوب، بلا تنمية ولا حياة ولا نظام، كما حدث مع «القوات المشتركة» في لبنان. منذ أواسط السبعينيات، تشكّل نهجان عربيان: (1) نهج الوطنية الواقعية في إدارة الصراع ــــ وتمثله السياسة السورية ـــ و(2) نهج القفز عن الصراع إلى أحضان العدوّ ـــ ويمثله النظام المصري وحلفاؤه «المعتدلون» ــــ، ومن هؤلاء المعتدلين القدامى جداً: منظمة التحرير الفلسطينية.
الحرب الأهلية في لبنان، في مسارها الأساسي، انفجرت ــــ رغم كل الجمل الثورية ــــ ضد النهج الأول، وبقصد اضعافه، واقتضت تدخلاً سورياً لمنع المذابح الطائفية وتمزيق البلد وتحصين سياق الصراع مع العدوّ. وعندما فشلت تلك الحرب السوداء في تحقيق أهدافها، نشب، في الداخل السوري، التمرّد الرجعي الإخواني، وتزامن مع العدوان الإسرائيلي لاجتثاث ظاهرة وقوى المقاومة من لبنان، ومحاصرة سوريا بنظام ومعاهدة 17 أيار؛ الرد السوري كان بالمواجهة ودعم المقاومة، وضرب الرجعية الاخوانية واليمينين، اللبناني والفلسطيني. استراتيجية الأسد أوصلت لبنان إلى التحرير العام 2000، بينما رحل الرجل من دون أن يوقّع كما وقّع السادات وعرفات والملك حسين؛ وحين يئس التحالف الغربي الرجعي من ميول الوريث بشّار، وأدرك أنه مصمم على السير في الخط المقاوم نفسه، في لبنان وفلسطين والعراق، انفجرت في وجهه «ثورة» الأرز… وتواصلت حتى 2011، وتعاظمت الطعنات، وأكثرها لؤماً طعنة حماس.
في بلاد الشام قوتان: سوريا وإسرائيل؛ وصراعهما كان محور العقود الأربعة الفائتة، ولا يزال… هو البوصلة: كل خطوة بعيداً عن دمشق تساوي خطوتين نحو أحضان تل أبيب!
بهدوء | فضيحة متلفزة، مراجعة تاريخية حان وقتها
Posted in Uncategorized.