لدينا، في غزة 2014، إنجازان رئيسيان هما (1) وحدة أجنحة المقاومة في الميدان، أثناء القتال، وبعده.. كما ظهر في التصريحات الصحافية المشتركة التي طالبت السياسيين الفلسطينيين بمراجعة شاملة للمرحلة السابقة، (2) وحدة القوى السياسية الفلسطينية في وفد تفاوضي واحد.
الآن، سنكون أمام انتصار حقيقي، إذا جرى المضي خطوات نوعية أخرى في الاتجاه نفسه: توحيد المقاتلين تحت لواء واحد، بلا لون سياسي، يمنع استغلال البطولات والتضحيات، حزبياً، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، ككيان سياسي فلسطيني موحد تعددي يعبّر عن الإجماع الفلسطيني، ويحدد البرنامج والأهداف والوسائل الكفاحية، ويشرف على المفاوضات، ويقرر بشأن المبادرات الدولية والإقليمية.
إذا حدث ذلك، فلسوف تنطلق عملية كفاحية جديدة، من شأنها، أولاً، أن تستعيد فئات فلسطينية عديدة، داخل الأرض المحتلة وخارجها، ابتعدت أو أنها أُبعدَتْ عن المشاركة في العمل الفلسطيني، في كافة المجالات، من المقاومة المسلحة إلى مقاومة التطبيع إلى النشاط السياسي والثقافي الذي كان ميزة فلسطينية في سبعينيات القرن العشرين؛ ومن شأنها، ثانياً، أن تحرّك النخب الوطنية العربية وجماهيرها التي ضجرت من الانقسامات الفلسطينية الداخلية، وتبادل الاتهامات إلخ؛ ومن شأنها، ثالثاً، أن تسترجع هيبة القضية الفلسطينية ومكانتها، على النطاق الإقليمي والدولي.
هل هذا الطموح ممكن؟ نعم؛ فلقد أثبتت غزة 2014 أنه لا توجد خلافات سياسية فعلية بين الأطراف الفلسطينية. دعونا، هنا، ندقق في مطالب المقاومة الفلسطينية التي تم اعتبار سقفها عالياً. ما هي تلك المطالب؟ رفع الحصار عن قطاع غزة، وفتح المعابر، والسماح بإنشاء الميناء والمطار، والسماح بالصيد حتى 12 ميلاً بحرياً، وتضييق المنطقة الأمنية العازلة. وهذه المطالب ـــ وأكثر منها ـــ مقررة في اتفاقيات أوسلو وملاحقها لعام 1993.
من ناحية الأهداف المرحلية الواقعية، تقف جميع القوى الفلسطينية تحت سقف أوسلو؛ الخلاف يكمن في الوسائل: ترى السلطة الفلسطينية أن تطبيق اتفاقيات أوسلو يتم من خلال الضغوط الأميركية في مفاوضات ثنائية مباشرة، بينما ترى فصائل المقاومة، وفي مقدمها «حماس»، أن تطبيق أوسلو يحتاج إلى الكفاح المسلح والانتفاضة الشعبية، ويرى فريق ثالث ضرورة نقل القضية إلى المجتمع الدولي والهيئات الدولية، إلخ.
خارج الشعارات التنظيمية، كل القوى الفلسطينية مدركة لواقعية الأهداف السياسية التي يمكن تحقيقها في ظل موازين القوى القائمة؛ فلتتصارح هذه التنظيمات، وتكفّ عن المزايدة والمناقصة، وتحدد برنامجاً سياسياً مشتركاً، وبرنامجاً للتحرك، يمكن، وفقاً لهما، تجديد هيئات المنظمة والسلطة إلخ؛ فالقضية ليست في إعادة إعمار غزة، بل في إعادة الاعتبار إلى القضية الفلسطينية: الأرض لا تزال محتلة، يقضمها الاستيطان، ويحاصرها العدوان، ويستمر تهجير أهلها، بينما الفلسطينيون موزعون في معازل ومهاجر؛ في الضفة وغزة والـ48 والأردن وسوريا ولبنان إلخ.
كيف أرى البرنامج السياسي المشترك ذاك؟ أراه، كما يراه ــ بواقعية تاريخية ونظرة إنسانية ــ الإمام الخامنئي، بالمطالبة بعودة اللاجئين والاستفتاء العربي ــ اليهودي على دولة جديدة تكنس الصهيونية؛ بالفعل: حل الدولتين ليس واقعياً ما دامت إسرائيل الصهيونية قائمة تمارس الاحتلال والاستيطان والعدوان، وما دام جوهر القضية الفلسطينية ــ أي اللاجئين ــ خارج وطنهم؛ بل نرى حل الدولتين ( فلسطين وإسرائيل) تقزّم إلى حل يقوم على «دولتين» فلسطينيتين، في غزة وفي ما بقي من الضفة الغربية. ودعونا نلاحظ، هنا، أن مطالب المقاومة الغزية لم تتطرق، من قريب أو بعيد، إلى قضايا الضفة الغربية: وقف الاستيطان والتعديات على الأراضي والحواجز والقدس والاعتقالات إلخ. المطالب المعلنة غزية بالكامل. وليس هناك ما يمنعنا من القول إن «حماس» تسعى إلى إقامة دولة واقعية في قطاع غزة؛ واصلت وتواصل الكلام على تحرير الأقصى وفلسطين، ولكن برنامجها السياسي الفعلي يتعلق بغزة؛ ويعمّق حقل الغاز المكتشف أمام ساحل غزة، والمقدّر بثلاثين مليار متر مكعب، اتجاهاً حمساوياً انفصالياً، يلقى الدعم القطري والتركي، وقد تلمّسنا ونتلمّس بعض مظاهره من خلال الإصرار على العنوان الحمساوي للمقاومة ــ رغم ما أبلته الفصائل الأخرى من قتال فعال ــ والمراوحة، شهراً أو أكثر، بما شهده هذا الشهر من تضحيات جسام، قبل الموافقة على ما كان يُعتبَر، منذ قليل فقط، «خيانة»؛ لم تحصل غزة على ما كانت تريد، والمطالب الرئيسية مؤجلة إلى مفاوضات لاحقة ماراثونية، على طريقة صائب عريقات!
انتصار غزة لم يكن، للحظة واحدة، مرهوناً بتحقيق مطالب سوف تكون مجدداً على طاولة مفاوضات؛ ولكن الانتصار يكمن في الصمود الشعبي واستيعاب التضحيات وإرادة القتال ووحدة المقاتلين في خندق المقاومة. وهذا الانتصار كان تحقق منذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي على القطاع؛ لم يصنعه تنظيم ما، بل أهل غزة ومقاوموها من كل الاتجاهات.
بهدوء | غزة؛ ما هو النصر، وكيف يتواصل؟
Posted in Uncategorized.