فقد رئيس هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير في سوريا، حسن عبدالعظيم، أيّ تقدير سياسي بقي لديّ إزاءه؛ لسنا أمام عقل سياسي، بل وجدان كيدي متخبّط. كان عبدالعظيم يعلّق على مبادرة الرئيس بشار الأسد، الواقعية ـ من حيث تطابقها مع موازين القوى القائمة، محلياً وإقليمياً ودولياً ـ والضرورية ـ من حيث إجابتها على الاحتياجات السورية والدولية في هذه اللحظة التاريخية ـ والمُحْكِمة ـ من حيث بنيتها وتسلسلها ومضامينها ـ.
ولكن شيخ المعارضة الوطنية السورية، لم يكن واعياً بالجديد في مبادرة رآها تأخرت، ودخل (في اتصال مع الميادين) في مماحكة مفادها بأن النظام هو المسؤول عن غياب الحوار وتسليح الحراك واجتذاب الإرهابيين. ولم نفهم منه سوى أنه متمسك بخطة المبعوث الدولي، الأخضر الإبراهيمي. أتكون الأوهام الناجمة عن اهتمام المسؤولين الدوليين بـ«هيئة التنسيق»، ولقاءاتهم بها، قد عششت في عقلها وعطّلته؟ أم أن الطابع المعنوي، غير الواقعيّ، لقوة «الهيئة»، تقودها نحو البكائيات والمماحكات، أكثر مما تدفعها نحو ممارسة السياسة؟
بالمقابل، وبغض النظر عن لهجته العدائية، تحدث الإخوانيّ، مُلهم الدروبي، كسياسيّ متضلّع؛ لم يناقش المبادرة التي يعرف أنها نتيجة لتوافقات دولية، وأنها ستكون، حتماً، أساساً لحلّ الأزمة السورية، وإنما ركّز على الخطوة الأولى الناقصة، بالنسبة إليه، في المبادرة، ألا وهي تنحي الرئيس لصالح نائبه فاروق الشرع.
تشديد الإخوان المسلمين وحلفائهم على تنحية الرئيس، ليس ذا بال في تسلسل خطة الحل؛ فالتوافق الروسي ـ الأميركيّ يقترب من الشروع في مرحلة انتقالية في ظل الأسد، تستمر حتى الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، في العام 2014. التنحي ليس مطروحاً، وإنما السؤال هو حول مشاركة الأسد في الانتخابات الرئاسية المقبلة. غير أن هذا السؤال نفسه قد يكون بلا معنى إذا ما اختار الاجماع السوري، النظام البرلماني، بدلاً من النظام الرئاسيّ. عندها، يغدو رئيس الجمهورية، دستورياً، بلا صلاحيات.
بالخلاصة، هُزمَ منطق الاتجاهين الأساسيّين للمعارضة السورية أمام منطق الوطنية الواقعية في خطاب، سماه الكثيرون على الفايسبوك، عفوياً، خطاب النصر؛ كان الرئيس واثقاً من قوته، وأصيلاً في وطنيته، وواقعياً في خطته. وقد تسرّب كل هذا إلى القلوب والعقول.
دعونا من الثرثرة التي تملأ المنابر بنقاشات عقيمة؛ إنها حرب. وفي الحرب لا مكان للمماحكات، بل لموازين القوى. وتشير هذه الموازين إلى أن نظام الرئيس الأسد لا يزال قادراً على خوض معركة عسكرية وأمنية طويلة في مواجهة تحالف دولي وإقليمي فظ لا يتقيد بالقانون الدولي، ويواصل شن الحرب ضد الدولة السورية، وعلى أرضها، بالمال والسلاح والمرتزقة، وبغطاء سياسي مكون من خليط من الأفكار الليبرالية والسلفية، ويرتكز على التحشيد الطائفي الصريح.
والتطور الحاصل اليوم، بعد ما يقرب من سنتين من الحرب، هو أن شرخاً أصاب التحالف المعادي لسوريا، وأذنَ بإمكانية حدوث تسوية جرى الكثير من الحوار حولها، فجاء خطاب الرئيس، من موقع الطرف الأقوى في المعادلة، ليضع النقاط على الحروف بشأن الممكن في تلك التسوية:
أولا، الفصل بين مجرى التسوية وخط مكافحة الإرهاب. وهو ما غدا ضرورة سوريّة وإقليمية ودولية؛ فبغض النظر عن أي اتجاه يأخذه حل الأزمة السورية، وبغض النظر عن مضمون وتركيبة أي حكومة تتولى الأمر في سوريا اليوم، فإن مهمة استئصال الإرهاب المستوطن في البلاد، تبقى ماثلة. وشاءت الأطراف أم أبت، يظل الجيش العربي السوري، الجهة الوحيدة القادرة على إنجاز المهمة الأولى على أي جدول أعمال متفق عليه في سوريا. ويدين الجيش العربي السوري ـ قبل وبعدما غدا ضرورة دولية ـ بالولاء السياسي للرئيس الأسد. وهذا أساس يشكل أي تجاوز له نوعاً من الخبل.
ثانيا، إقرار الميثاق الوطني، قبل نقل الصلاحيات وكمنطلق للمرحلة الانتقالية. وهو منطلق ضروري بالنسبة لكل الوطنيين السوريين ـ على اختلاف نزعاتهم الأيديولوجية ـ من أجل ضمان ألا تذهب التسوية بالثوابت الوطنية التي لا علاقة لها بالخلافات السياسية: السيادة، فلا يكرّس الحل أي نفوذ أجنبي أو يفرض مشاريع أو يحقق أطماعاً أجنبية في سوريا، والاستقلال، وخصوصاً إزاء أطراف الأزمة الإقليميين والدوليين، وتحرير الجولان (وفق حدود 1967 وليس الحدود الانتدابية)، والحق في المقاومة ودعم المقاومة في فلسطين ولبنان، وعلمانية الدولة.
هذه الثوابت ليست محلاً للحوار إلا بالنسبة للعملاء والطائفيين. وهؤلاء ليس لهم مكان على طاولة الحوار الوطني في سوريا. ومن ثم، فإن كل شيء متروك للتوافق، والأجندة، حسب القراءة المدققة للمبادرة، مفتوحة.
قدّم الأسد «تنازلاته» إلى المجتمع السوري. لكنه، بالنسبة للخارج المعادي، فإنه لا تنازلات أبداً، لا في مضمون الدولة ولا في السياسات. هذا ما سيحدث، وهذا ما وجده الوعي العفوي المطابق، لحظة انتصار.
بهدوء | المبادرة الواقعيّة
Posted in Uncategorized.