قرر وزير داخلية الحكومة الأردنية، حسين المجالي، إلغاء ترخيص «جمعية الإخاء الأردني ــــ السوري». قرارٌ بحجم العداء لكل ما هو قومي أو يساري أو تآخٍ بين العرب ليس مختوماً بالحقد السعودي، إلا أنه يؤشر، أيضاً، على اتجاه يتبلور داخل مطبخ القرار الأردني، نحو تورّط غير مسبوق في سوريا.
المجالي ــــ المحسوب على خلية رئيس الديوان الملكي السابق باسم عوض الله ــــ هو أحد منفّذي برنامج معاداة سوريا، بينما ينأى رئيس الوزراء، عبدالله النسور، بنفسه، ملتزماً الصمت في المفاصل المحرجة، بل سبق له أن أعلن أنه «مغيّب» عن أحداث مثيرة، منها التعاون مع الإسرائيليين، لتعطيل محطة تجسس إسرائيلية على الجيش الأردني. ولكن النسور، بوصفه صاحب الولاية الدستورية في الشؤون الداخلية والخارجية، لا يستطيع أن يبرر نفسه، سياسياً وأخلاقياً، إزاء تعاظم التدخل الأردني الغامض في سوريا.
منذ العام 2011، كان هناك سجال في نخبة الحكم الأردني حول الموقف من سوريا. وبالنظر إلى تصاعد قوة الإخوان المسلمين في الشارع الأردني، قبل الإطاحة بهم في مصر، في 30 حزيران 2013، كانت السياسة الأردنية، تتأرجح بين الاستجابة ــــ المحدودة ــــ للضغوط السعودية والأميركية بتسهيل اللجوء السوري المصطنع إلى البلاد وتمرير أسلحة ومسلحين، عبر الحدود، وبين المخاوف من سقوط النظام السوري في وقت الصعود الاخواني، وكانت النقطة الوحيدة التي يستطيع النظام الأردني، من خلالها، استرضاء التيارات الوطنية والقومية واليسارية، هي كبح جماح التدخل في سوريا، خصوصاً أن تياراً في الإدارة الأميركية، كان يفكّر في دعم تغييرات سياسية في الأردن، تحت شعارات اصلاحية، وبالتفاهم مع الإخوان وحلفائهم، المعادين لسوريا.
لكن هذه المعادلة أصبحت من الماضي بالنسبة لعمّان. هناك، اليوم، حتى شعور بالانتفاخ، ناجم عن الرضا الأميركي، وترتيب العلاقات مع العم سام. صحيح أن الجهود الحثيثة التي بذلها المسؤولون الأردنيون لتوطيد علاقة خاصة مع السعودية، قد انتهت إلى الفشل، وشابها حتى نوع من الفتور في ظل الملك الجديد، سلمان، وفريقه، إلا أن العلاقة الأردنية ــــ الأميركية، هي، اليوم، في أحسن أحوالها، خصوصاً بعدما سحب الأميركيون مشروع الإصلاح السياسي في الأردن من التداول.
منذ صيف العام 2013، تكثّف، أكثر فأكثر، النشاط الأردني في تنظيم وإدارة الميليشيات العشائرية والعمليات في جنوب سوريا. وكانت الحجة الرسمية، وراء هذا النشاط، هو خلق حزام أمكني من الميليشيات «المعتدلة» كدرع ضد تقدم «النصرة» و»داعش» والتنظيمات التكفيرية الأخرى. لكن، في الواقع الميداني، ثبت أن الفريقين متداخلان، بالإضافة إلى أن «النصرة» هي الأقوى بين جميع الميليشيات الجنوبية.
باستثناء الجمهور الاسلامي والطائفي، حيّرت السياسة الأردنية أغلبية المواطنين والمراقبين. فأين هي مصالح الأمن الوطني الأردني في التمكين للقوى الإرهابية في السيطرة على مناطق الحدود السورية ــــ الأردنية، بما في ذلك مخاطر الانتشار الإرهابي في شمال الأردن، المتداخل، جغرافياً وديموغرافياً، مع جنوب سوريا. فالمنطقتان تشكلان، بالأساس، إقليماً واحداً هو إقليم حوران، والعبث بأمن هذا الإقليم مغامرة أمنية وسياسية كبرى، لا تعوّضها أيّ أموال موعودة؛ فما السر إذاً؟
جاءت الإجابة على السؤال المحيّر من إسرائيل. ففي دراسة أصدرها «مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي» أن المسؤولين الإسرائيليين والأردنيين يتشاركون في القلق من انتصار تحالف الجيش السوري وحزب الله في جنوب سوريا، وبالتالي التأسيس لما أعلنته دمشق، سياسياً، من اطلاق المقاومة الشعبية لتحرير الجولان.
من المفهوم، بالطبع، أن الاحتلال الإسرائيلي يفضّل جيرة شركائه الاستراتيجيين من «النصرة» وشقيقاتها ــــ وهي كلها قوى مرتبطة بحلفاء تل أبيب في الرياض والدوحة وأنقرة ــــ على وجود قوى محور المقاومة بالقرب من هضبة الجولان المحتلة. لكن ما الذي يثير قلق عمّان؟ تقول الدراسة إن التقدير الأمني الأردني يخشى من أن انتصار محور المقاومة، سيضعف «المعتدلين» و»النصرة» لحساب « داعش»!
لا تبتسم، عزيزي القارئ، فـ «داعش» هي، أيضاً، تمثّل المسوّغ الذي يتبناه الأميركيون للتسليح المباشر لعشائر عراقية سنية، بهدف خلق قوة محلية لتقسيم العراق، طائفياً. ومن المنتظر أن يلعب النظام الأردني، في هذا المشروع، بالنظر إلى علاقاته مع عشائر الأنبار تحديداً، دوراً خاصاً.
بعد أربع سنوات من المقاومة الضروس التي خاضتها، وتخوضها، سوريا ضد الإرهاب الامبريالي الصهيوني الرجعي العثماني والعربي، انتهت، موضوعياً، نظرية الحرب (مع إسرائيل) خارج الأسوار؛ أصبحت جبهة الجولان، الآن، هي مسرح المقاومة الرئيسي. ولسوف يؤدي ذلك، بالتدحرج الواقعي، إلى انهيار ما يسمى العملية السلمية، فلسطينياً وأردنياً، ويعيد ترتيب الهيكل السياسي للمنطقة.
بالمحصلة، لدينا، اليوم، ثلاث قوى رئيسية في الشرق الأوسط: محور المقاومة، وإسرائيل، والمحور الرجعي العثماني. ليس للأردن مكان ملائم أو موثوق في المحور الأخير، وليس مطروحاً على النخبة الحاكمة في الأردن، الإندراج في محور المقاومة؛ لقد انتصر اللوبي الإسرائيلي داخل هذه النخبة. وهو، اليوم، يتخذ القرارات الرئيسية، ويوقع مع الإسرائيليين، الاتفاقات الإذعانية للمشاريع الكبرى من قناة البحر الأحمر ــــ البحر الميت إلى صفقة الغاز الخ. وهو نهج يتطلب تأجيج العداء نحو سوريا، والسعي إلى وأد أي احتمال لنشوء المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي في الجولان. هذا، بينما يقضي ممثل بيروقراطية الدولة، عبدالله النسور، وقته في معالجة ثغرات الموازنة العامة!
بهدوء | اللوبي الإسرائيلي؛ الإخاء الأردني ــ السوري ممنوع
Posted in Uncategorized.