هذه هي الجملة الختامية في رسالة مفتوحة إلى الملك عبدالله الثاني، وقّعها المئات من شباب العشائر الأردنية، بأسمائهم الصريحة، وتحذّره من عواقب العملية الاستخبارية المشتركة ضد سوريا، وتطالبه بإنهائها فوراً. وباللهجة نفسها، أعلنت الفعاليات الشعبية في لواء بني كنانة، القريب من الحدود السورية، «سنحمل السلاح مع الجيش العربي السوري، دفاعاً عن الأردن وسوريا».
لا تصدر هذه التهديدات وأمثالها عن تنظيمات سرية مقاتلة، وإنما عن نشطاء معروفين وهيئات علنية في الحراك الشعبي الأردني؛ فهل يجعلها ذلك أقل خطورة؟ ربما بالمعنى التنفيذي المباشر، لكن بالمعنى السياسي، الأهمّ، فإن انتقال الحراك من المطالبة بالحياد إزاء الأزمة السورية، إلى التضامن مع سوريا ضد الإرهاب، إلى التهديد بقتل الجنود الأميركيين والقتال دفاعاً عن سوريا، يعكس حجم التوتر والغضب في الأوساط الوطنية الأردنية، حيال الانقلاب المفاجئ للسياسة الأردنية نحو التورّط في خطط معادية للبلد التوأم.
المواقف الشعبية تتوالى بلا انقطاع؛ ففي البرلمان، ركّزت كلمات النواب المحسوبين على بيروقراطية الدولة، على التنديد «بالمؤامرة الامبريالية ـ الصهيونية (!) الهادفة إلى تدمير سوريا»، على حد تعبير النائب المخضرم عبدالكريم الدغمي الذي حذّر من النتائج الكارثية لأي تورّط في الأزمة السورية، وتصدّر حاجبي الثقة عن حكومة عبدالله النسور التي فازت بهامش 7 أصوات فقط، رغم أنها اضطرت إلى إبلاغ المجلس النيابي أنه «لا تدخّل في سوريا. سياستنا هي تشجيع الحل السياسي السلمي».
وفي المحافظات، عُقدتْ لقاءات شعبية وحزبية صدرت عنها مواقف أقواها الصادرة عن فعاليات الكرك، المعقل الجنوبي للحراك الشعبي. وبينما أعربت الأحزاب اليسارية والقومية عن إدانتها لوجود الجنود الأميركيين على الأراضي الأردنية، وتدريب المقاتلين السوريين لمحاربة بلدهم، تنادت هيئات حراكية وتجمعات حزبية جديدة وقوى اجتماعية، أبرزها المتقاعدون العسكريون، إلى جبهة ذات مهمة واحدة، تحت عنوان: «اللقاء الوطني للدفاع عن سوريا والأردن» ــــ سيعلن عنها اليوم الأربعاء ــــ ودعت قوى شبابية إلى مسيرة واعتصام أمام الديوان الملكي، يوم الجمعة المقبل، لإدانة التعاون العسكري مع الولايات المتحدة، تحت عنوان «الجيش العربي الأردني يحمينا».
حتى «الجبهة الوطنية للإصلاح»، برئاسة أحمد عبيدات، والمقربة من الإخوان المسلمين، لم تستطع أن تظل صامتة. وهي، وإنْ أعادت التأكيد على موقفها السلبي من النظام السوري، فقد شددت على رفض التدخل الأجنبي، وتوريط الأردن في مستنقعه.
تلبّدت الأجواء أكثر فأكثر، جراء خبر صحيفة «لا فيغارو» الفرنسية، حول موافقة الملك على فتح ممرين جويين نحو سوريا، لطائرات إسرائيلية من دون طيار، مجهزة للاستطلاع والقصف معاً. الحكومة والجيش، نفيا، بشدة، هذا الخبر. لكن مَن عاد يصدّق؟ خصوصاً أن بيان القوات المسلحة ــــ التي تحظى باحترام الأردنيين ــــ كان، كسابقه المتعلق بمهمات الجنود الأميركيين، يحمل لهجة الاحتجاج بأكثر مما يقطع في المعطيات.
سبق لرئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو ــــ كما كشفت «الأخبار» في حينه ــــ أنه طلب، خلال الأشهر الأخيرة، مرتين، فتح الأجواء الأردنية أمام الطيران الحربي الإسرائيلي، للقيام بعمليات في الأراضي السورية، لكن طلبه رُفض. وتقول «لا فيغارو» إن إجابة الطلب الإسرائيلي تمت، في النهاية، بضغط من الرئيس الأميركي باراك أوباما، خلال زيارته إلى عمان، الشهر الماضي.
ويُعَدّ هذا التطوّر، إذا حصل فعلاً، الأخطر بين تطورات الموقف الأردني، منذ انزياحه عن موقع الحياد إزاء الأزمة السورية؛ فالرأي العام الأردني، بكل اتجاهاته، لا يقبل التطبيع أو التعاون مع الإسرائيليين حتى في شراكة اقتصادية (مؤخراً، وقع 60 نائباً على طلب فصل زميل لهم، ويدعى محمد عشا الدوايمة، من مجلس النواب، كونه زار إسرائيل سراً)، ما يجعل الشراكة العسكرية مع تل أبيب في العدوان على بلد عربي، جبلاً من الغضب لا يستطيع النظام الأردني احتمال نتائجه.
حزب جبهة العمل الإسلامي الذي طالما طالب الجيش الأردني بالتدخل في سوريا، «نصرة للدين والأهل»، اضطُرّ هو الآخر لإدانة فتح الأجواء الأردنية للطيران الإسرائيلي، لكن بيان الحزب التابع للإخوان المسلمين، أهمل الجهة التي يقصدها هذا الطيران، أي سوريا. وهو موقف مضطرب لا يمكنه أن يصمد طويلاً؛ فقد اتضح المشهد، وبات على كل القوى الاختيار بين تل أبيب ودمشق.
انقلاب النظام الأردني على سياسة الحياد التي ميّزت مواقف عمان خلال السنتين الماضيتين، أدى إلى إطلاق قوى الحراك الشعبي مجدداً في البلاد، تحت عنوان يوحّد القوى التقليدية والحراكية الشبابية واليسارية والقومية معاً، وهو رفض التدخل في سوريا.
بهدوء | «الجنود الأميركيون في الأردن أهداف مشروعة»
Posted in Uncategorized.