بهدوء | الجمهورية والمملكة: هل تلغي الهجرة الحدود؟

ترسيم منطقتي النفوذ بين الاحتلالين الفرنسي والبريطاني، 1920، أدى إلى تقسيم إقليم حوران إلى منطقتين، إحداهما داخل حدود الجمهورية السورية والأخرى داخل المملكة الأردنية. لكن العلاقات العشائرية والإنسانية والاقتصادية المتنوّعة، بين الحوارنة، لم تنقطع يوماً؛ فحوران ذات بنية اجتماعية وثقافية واحدة، طالما تمنّينا أن تعود إقليماً واحداً في إطار اتحاد بلاد الشام.
اليوم، نتحسّب من مفاعيل الوحدة الداخلية لإقليم حوران، على وحدة الدولتين، السورية والأردنية، ونألم لانقلاب الزمن؛ فقد غدا الحفاظ على الحدود المنبوذة سابقاً، مطلباً قومياً الآن؛ ذلك أن تدفّق اللجوء السوري إلى الأردن، تجاوز الخط الأحمر مع مليون ومئتي ألف لاجئ. وإذا ما استمرت نسب التدفّق بمعدلها الحالي، فمن المتوقع أن يصل عدد اللاجئين السوريين في المملكة إلى مليونين هذا العام، وثلاثة ملايين، العام 2014. يعني ذلك قيام مجال بشري كثيف عبر إقليم حوران، من شأنه أن يؤدي إلى إسقاط الحدود السياسية بين القُطرين.
المجموعات السورية المسلحة تسيطر، بالفعل، على 13 معبراً حدودياً غير رسمي، وتقاتل، بضراوة، للسيطرة على المعبرين الرسميين في نصيب ودرعا. وإذا تمكنت هذه الجماعات ـــ ومنها وأكثرها قوة، السلفيون الجهاديون ـــ من الاستيلاء على المنطقة الحورانية المحاذية للحدود الأردنية ـــ ويبدو أن هذا هو هدفها المباشر ـــ فإن قدرتها على الدفع بموجات بشرية متتابعة من اللاجئين، ستمكّنها من الشروع في السيطرة على الجانب الآخر من الحدود. فمن بين مئات الألوف من السوريين المقيمين الآن، فعلاً، في المنطقة الحورانية الأردنية، توجد مئات الخلايا النائمة لـ «جبهة النصرة» وسواها من المجموعات السلفية الجهادية، بينما تشير المعلومات الأمنية المتداولة الى قدرة السلفيين الجهاديين الأردنيين على حشد ما يربو على خمسة آلاف مقاتل.
نحن، إذاً، بإزاء عناصر مشهد جيوبولوتيكي جديد يتشكّل جنوبيّ سوريا ـــ شماليّ الأردن. وعلى رغم ما تتحلى به الجهات الأمنية الأردنية من انتباه، إلا أنها تبدو كمّن يلهث وراء التطورات، بينما يبدو أن الافتقار للنظرة الاستراتيجية وتعوّد حركة الفكر في خطوط الماضي المستقرّ، يجثمان على الرؤية في البلدين، رؤية ثبتت على اعتبارات سياسية وقانونية وأمنية أصبحت فائتة، ولا تشكّل، بالنسبة للقوة السلفية الجهادية الصاعدة على المستوى الإقليمي، مرجعية حاكمة.
المثير أننا نتابع حركة لجوء لها طابع هجرة تاريخية، وكأنها قضاء وقدر؛ لا يضبطها أحد من الجانب السوري، ولا يعرقلها أحد من الجانب الأردني، ولا يتوقف أحد عند مفاعيلها ومضامينها واحتمالاتها البعيدة المدى. هناك، بالطبع، قلق على توفير الأموال اللازمة للإنفاق على اللاجئين، وقلق على تأمين المياه، وعلى الأحواض المائية التي تحولت إلى تجمعات بشرية ضخمة، وعلى البنى التحتية وفرص العمل والأمن العام. لكن المسؤولين، في الجانبين، لديهما من الغرور ما يكفي لتجاهل الخطر الكبير الحقيقي، أعني امكانية التشكّل الواقعي لإمارة حوران السلفية الجهادية عبر الحدود السورية ـــ الأردنية.
لا ترتبط ظاهرة اللجوء السوري إلى الأردن، حصرياً، بالأحداث المؤلمة في البلد الجار، بل إن هذه الأحداث هي التي سمحت بـ (ومن أن تكون السبب الرئيسي في) تلك الظاهرة. بالعكس، فإن الانفجار السكاني غير المستوعَب اقتصادياً وسياسياً، في الريف السوري، هو المسؤول عن انفجار الوضع الأمني في محافظات الجمهورية، وهو الذي سبّب، في اتجاه حركة الاحتجاج الشعبي إلى العنف والطائفية والتكفير والنزعة التدميرية المعادية للدولة الوطنية المدنية، وكذلك، ظاهرة الميل إلى اللجوء خارج سوريا من دون ضرورة أمنية.
كان استيعاب الفائض السكاني في الريف السوري ممكناً قبل الأحداث الدامية المستمرة منذ 2011، من خلال نموذج تنموي ديموقراطي اجتماعي يلحظ سلسلة متعاضدة من المشاريع الزراعية والصناعية، برعاية الدولة، وتسهيل ودعم جهود القطاع الخاص في مجال الصناعة. ومع أن هذا النموذج يظل مطلوباً دائماً، فإن قدرة الاقتصاد السوري على إعادة البناء والتعافي واستعادة ديناميكيته، ستتطلب وقتاً ليس بالقصير لاستيعاب وإدارة العمالة الفائضة. يعني ذلك أننا أمام مشكلة هجرة دائمة ـــ لا مشكلة نزوح طارئة ـــ تستوجب التعامل معها، في دمشق وعمان، بحس عال من المسؤولية والجرأة والعقلانية والحسابات الاستراتيجية.
ليس بين سوريا والسعودية، حدود مشتركة، لكن تدفق اللاجئين السوريين الكثيف إلى شمال وشمال شرق الأردن، سيقرع أبواب الحدود الأردنية ـــ السعودية، بكل ما ينطوي عليه ذلك من مفاعيل ستطاول المملكة الضائعة، وتجعلها تعضّ أصابع الندم بعدما تكتشف أن سوريا ـــ التي مولت الرياض وتموّل تدميرها ـــ ليست بعيدة عن السعودية.

Posted in Uncategorized.