لم يوقف القمع هبّة تشرين الأردنية؛ كانت الطاقة الجماهيرية المنفلتة من قيودها، بسبب قرارات زيادة أسعار المشتقات النفطية، أضخم من أن تُكبَح من خارجها، إلا أنها تراجعت من داخلها، وتوقفت بقرار ذاتي اتخذه نشطاء التيارات الوطنية الاجتماعية واليسارية، ممن كانوا في الميدان، وكانوا قادرين على التصعيد. إلا أنه، في قلب الحدث، طُرحتْ الأسئلة الصعبة:
(1) هل نقدّم الدولة الأردنية هدية للإخوان المسلمين وحلفائهم لإقامة دكتاتورية دينية؟
(2) هل نسمح بنجاح المشروع القَطري المصري التركي، الهادف إلى إقامة صيغة إسلامية للوطن البديل تحت عنوان «أرض الحشد والرباط»؟
(3) هل نساهم في خلق وضع سياسي يتيح هجرات جديدة إلى الأردن وتصفية حق العودة في شرقي النهر؟
(4) هل نفتح، بأيدينا، الحدود أمام الإرهاب والسلاح ونطعن سورية من الجنوب؟
(5) هل نقود البلاد إلى الفوضى والحرب الأهلية بين التيارات الوطنية والمدنية ذات الأغلبية الشرق أردنية، والتيارات الإسلامية ذات الأغلبية من أصول فلسطينية؟
(6) هل نحطّم البلد ووحدته، ونكسر الدولة، ونزجّ بالجيش في صراعات دامية، محلية وإقليمية ودولية؟
هذه الأسئلة الصادرة عن وطنية مشروعة وحسّ عال بالمسؤولية إزاء الأردن وفلسطين وسورية، هي التي أنهت هبّةً كان تحوّلها إلى انتفاضة وثورة، رهناً بإرادة المناضلين الميدانيين وتياراتهم السياسية، وفي مقدمها الكتلة الرئيسية الفاعلة من اليسار الأردني.
على الهامش، كما يحدث عادةً، وَجَد هامشيّون ـــ لا علاقة لهم بالأردن وقضاياه، ولا بالحركة اليسارية والشعبية، ولا بالنضال، ولا بالميدان ــــ الفرصة للهَذَيان الثورويّ والمزايدات غير المسؤولة التي تصبّ، في النهاية، في الطاحونة الإخوانية القَطرية.
وفي المتن، ظلّت الأسئلة، يتقدمها، جميعها، السؤال المركزي حول مآل برنامج الحركة الشعبية: استئصال الفساد، ومراجعة نهج الخصخصة ووقف حرية السوق النيوليبرالية المتوحشة، واستعادة القطاع العام، وتنمية المحافظات، وبناء الاقتصاد العادل والديموقراطية السياسية والاجتماعية، وكذلك، مراجعة معاهدة وادي عربة، ووضع حدّ نهائي لمشاريع الكونفدرالية مع الضفة الغربية، الهادفة إلى تصفية المشروع الوطني الفلسطيني والدولة الوطنية الأردنية، معاً.
ومن ثَمّ، أين هو الحد الفاصل، في استخدام الضغط الجماهيري، بين المستوى الذي يضغط على قوى النظام لتحقيق البرنامج الوطني الاجتماعي، والمستوى الخطر لهدم الدولة. إنه، بوضوح، سؤال البحث عن تسوية داخلية.
وضعت هبة تشرين، هذا السؤال على طاولة البحث العام، وكوّنت اللحظة السياسية الملائمة للبدء في حوار وطني، حددت الشروط الموضوعية الملموسة للصراعات الإقليمية، أطرافَه وموضوعاته؛ أطرافه هي القوى التي تشترك في حرصها على سلامة الدولة، وفي موقفها الرافض للمشروع الإخواني، وللكونفدرالية، وفي تأييدها الضمني والعلني للدولة السورية. وتتمثل هذه القوى في البيروقراطية المدنية والعسكرية، والعشائر، والحركة الوطنية الاجتماعية وطليعتها المتمثّلة في اليسار الأردني. وعلى هذه الخلفية، التقى الملك عبدالله الثاني، للمرة الأولى، يساريين وحراكيين، في حوار مفتوح حول كل القضايا المحلية والإقليمية والدولية. وتبيّن، للتو، وجود لغة مشتركة بين الطرفين على أكثر من مستوى، وفي أكثر من قضية.
اللغة المشتركة، لا تحسم الخلافات والاختلافات في تعقيداتها العديدة، ولكنها تؤسس لحوار ربما ينجح في التوصل إلى تفاهمات، وربما يفشل، إنما لا يمكن لبلد يواجه جملة من التحديات الوجودية، أن ينكص عن هذه الفرصة.
التفاهمات، هنا، تبدأ بالسياسات الإقليمية؛ كيف يحافظ الأردن على حياده في الأزمة السورية؟ وكيف يدرأ مخاطر المشروع الإخواني القَطري التركي؟ وكيف يدير علاقاته مع مصر الإخوانية والمعارضة المدنية؟ و كيف يخرج من منزلق الصراع المذهبي السني ــ الشيعي على المستوى الإقليمي؟ وكيف يبني سياسة خارجية متوازنة بين الهلالين؟ وكيف يستعيد علاقاته الاستراتيجية مع العراق؟ وكيف يدمج مواطنيه من أصول فلسطينية في الإجماع الوطني على رفض الكونفدرالية والتوطين الخ، من دون المساس بحقوق المواطنة؟
وعلى المستوى الداخلي، كيف يمكن التوصل إلى صيغة سياسية وقضائية، لضرب شبكة الفساد؟ وكيف يمكن إعادة بناء الاقتصاد الوطني على أسس عادلة؟ وكيف يمكن بناء ديموقراطية حديثة لا تؤول إلى دكتاتورية دينية؟
بهدوء | الأردن… الأسئلة الصعبة
Posted in Uncategorized.