ناهض حتّر
ليس كل اللبنانيين الذين غادروا بلدهم في الحرب، هاربين .. فمنهم مضطرون فعلاً، لهذا السبب او ذاك، ومنهم نازحون بالمعنى الحرفي للكلمة خصوصاً الى الشام القريبة .. اعني ان اللبنانيين عادوا الى فنادق الشام ومطاعم الشام وشوارع الشام ومنازل الشام، بعد غيبة استمرت 525 يوماً.
فترة الغياب – بالايام – احصتها شارة تلفزيون المستقبل.
* * *
وليس كل الذين ظلوا في لبنان، وطنيين. فمنهم مائتا جاسوس لاسرائيل، قبضت عليهم المخابرات اللبنانية حتى الآن. يا الله ما اكثر الجواسيس في بلادنا.
قُبض على بعضهم وهو يضع شارات رماية تساعد الطائرات الاسرائىلية على قصف الاهداف الدسمة ومنها منازل العائلات الكبيرة .. بقصد القتل الكثيف.
* * *
خلال سويعات من بدء الاحداث، كانت طائرة خاصة تُقِل هيفاء وهبي الى خارج البلاد . ولا تسأل مَن وفر للمطربة الحلوة المعلومات واللوجستيات اللازمة لخروجها الآمن من حرائق لبنان. احد الغيورين حرص على الا تصاب هذه الثروة القومية السائرة على قدمين بديعتين، بمكروه او واوا.
مع هيفاء وهبي، غادر ايضاً، في طائرات خاصة ايضاً، «زعماء» ورجال اعمال لا تنقصهم المعلومات ولا اللوجستيات، ابتعاداً عن الواوا .. رغم ان قصورهم تحمل شارات «لا تقصف! صديق».
* * *
الفنانة السيدة ماجدة الرومي رفضت، بالطبع، ان تغادر بيروت. فبيروت، تظل، بالنسبة لها، «ست الدنيا» في السلم وفي الحرب، في هدوء الليالي المقمرة .. او تحت القصف!
الغت ماجدة كل ارتباطاتها، وتفرغت لزيارة النازحين في المدارس وبيوت وحدائق اللجوء. لانها تعرف ان اطلالتها البهية على المنكوبين، ترفع معنوياتهم. الفنانة الكبيرة هي، ايضاً، مواطنة، وعليها تقع مسؤولية بسيطة، ولكنها ضرورية لصدّ العدوان على الروح..
* * *
لا اقصد ذمّ هيفا ولا امتداح ماجدة. ولكنني فكرت ان الانسان، بالفعل، نسَقٌ «قل لي كيف تحب .. اقل لك ما اذا كنت ستفرّ من وطنك – مسؤولياتك عند الحريق .. ام لا.
لسعدي يوسف، شاعر العراق و«الشيوعي الاخير»، في ذم النخب الحاكمة واشياعها، انهم «لايعرفون الحبَّ..
ولاالمهجَ الجريحة»
ولماجدة الرومي، صرخات وجع في الفقد، يصدح الصوت العاشق بها «عيوني آخدتن معك!» بكاءً!
تكوين الشخصية، الحياء، ذكاء العينين، الانوثة المتعالية، الحشمة الراقية، النزعة المثقفية في اختيار القصائد والموسيقى، الشجى، الصوت الصلب الآتي من وجدان عميق.. كل ذلك سوف يبقى في لبنان حتماً، سوف يكنس شوارعه من آثار العدوان .. بالاهداب.
* * *
لكن الثقافة ليست ،دائما، حصن الوطنية. المثقف قد يتحول الى «خبير» او عازف دفوف مرتزق عند المحتلين! ولكن، يا لله.. من اين جاء هذا الطابور «الثقافي» الخامس الطويل؟
يقول سعدي يوسف – آسفاً- «من البعثيين السابقين والشيوعيين المرتدين ..».
لكن قصيدة سعدي يوسف، ماتزال – في تموز 2006 – تتطوع في صف المقاومة. تماماً مثلما كانت في حزيران 1982 …
وفي الـ 74: «قصيدة للجبهة»
وفي الـ 67: «أُدعى صلاح الدين،
ادعى الجميع»
وفي الـ 58: «من اجل ان تعيش جمهورية العراق».