قبل الربيع العربي – الامريكي, كنتُ من الدعاة المثابرين لتطبيع وتعزيز العلاقات مع حماس. الآن, أبارك التطبيع, وأتحفظ على التعزيز, وأرفض, قطعيا, انتقال مركز حماس من دمشق إلى عمان.
لم أكن متيما بحماس قبل 2011 , ولا أكرهها الآن. فبوصلتي الوحيدة هي المصالح الاستراتيجية للدولة الأردنية والشعب الأردني. فحين كانت حماس جزءا من معسكر الممانعة القوي, كانت هي طريقنا الأقرب للتفاهم الواقعي مع ذلك المعسكر, وإحداث توازن في القوى يقلّص من سطوة معسكر الاعتدال علينا, ويخفض ضغوط العلاقة الثنائية المغلقة مع السلطة الفلسطينية المدعومة من الولايات المتحدة والنظام العربي السابق, ويمنحنا هامش المناورة الضروري في مواجهة التحدي الإسرائيلي.
الآن, سقط معسكر الاعتدال القديم بسقوط رافعته المتمثلة بنظام حسني مبارك, وتضعضع معسكر الممانعة من خلال تفجير الداخل السوري, وأصبحت حماس شريكا في عملية تكوّن معسكر جديد في المنطقة من خلال تحالف استراتيجي مع الإسلاميين الذين تمكنوا, بالدعم الدولي والإقليمي والخليجي وخصوصا القطري, من وراثة الأنظمة البائدة في تونس ومصر وليبيا, بينما يسيطرون على المعارضة اليمنية والسورية وينخرطون في تحالف تيار المستقبل والقوات اللبنانية الفاشية, سواء في داخل لبنان او في المعركة ضد النظام السوري.
في المشهد السياسي المستجد هذا, تراجعت مكانة النظام الأردني وحليفته, السلطة الفلسطينية,إقليميا ودوليا, إلى الصفوف الخلفية, في حين ترتفع أسهم حماس محمولة بالرعاية التركية القطرية, وتتأهل لترث موقع المفاوض الرئيسي في الشأن الفلسطيني.
تراجع المكانة الإقليمية والدولية للمملكة, أثار غرائز الكيان الصهيوني لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن. وهكذا, انهمرت التسريبات والمقالات والسيناريوهات حول مستقبل بلدنا في الصحافة الإسرائيلية.
لطالما هجس الوطنيون الأردنيون بخطر المشروع الصهيوني الخاص بالأردن, لكن السلطات الأردنية لم تكن تتلمس معطيات كافية لتحد ماثل . اليوم, الملك عبد الله الثاني يجد أن مشروع الوطن البديل اصبح سياسة رسمية في إسرائيل.
قد يُقال إن العلاقات الوطيدة مع حماس هي سلاح ضد هذا الخطر. نعم. ولكن بالحدود التي لا تزعزع المعادلة الداخلية الحساسة.
من السذاجة الحكم على أي حركة من خلال خطابها, بل من خلال تموضعها وسلوكها السياسيين. وقد كنا نأخذ خطاب حماس حول المقاومة ورفض الوطن البديل على محمل الجد, حين كانت جزءا من محور إقليمي مضاد للولايات المتحدة, لكن حماس اليوم تتموضع في سياق سوف يفرض عليها, موضوعيا, انتهاج خط سياسي جديد. أما سلوك حماس في غزة فيكشف عن ميولها الاستبدادية واستعدادها لعقد صفقات واقعية وجزئية مع العدو.
أذكّر, هنا, بأن الخطاب الفتحاوي في أواخر الستينيات, كان أيضا خطاب المقاومة والتحرير من النهر إلى البحر, لكن فتح , في الممارسة الفعلية, تموضعت, مستندة إلى حلفائها المحليين, في قلب الشأن الداخلي الأردني, مما قاد البلد إلى كارثة, ثم تدرّج خطاب المقاومة الفتحاوي إلى خطاب أوسلو.
عودة حماس ¯ في ظروف الربيع العربي – إلى الأردن, سوف تصبّ في طاحونة ‘ الإخوان’. وكل موقع قوة يحصّله ‘ الإخوان’ سوف يصب في طاحونة حماس. وهي عملية تراكمية , بعناصرها الداخلية والخارجية, من شأنها أن تقود إلى أسوأ الإحتمالات, بما في ذلك الرجوع بالبلد إلى ظروف نهاية الستينيات.
لا نعترض على إجراء تفاهمات مع ‘ الإخوان’ بصفتهم حزبا أردنيا, على أن تكون تلك التفاهمات داخلية حصريا, ولا ترتبط بعوامل وعناصر خارجية; إذ يمثّل ذلك الارتباط تعديا صريحا على السيادة, ويشكّل, في ظروف الأردن المعقدة المعروفة, وصفة للفوضى ونشوء دولة داخل الدولة.
لسوء الحظ, فإن السياسة الرسمية الأردنية, غارقة في التكتيك وتفتقر إلى رؤية استراتيجية. ولذلك, فهي تستسهل عقد الصفقات السياسية في محاولة لتلافي الاستحقاقات الوطنية, الاجتماعية والديموقراطية. لكنه طريق مسدود. فالحقيقة السياسية الرئيسية في أردنّ اليوم تتمثّل في الصعود الوطني الاجتماعي لشعب قرر أن يحضر في التاريخ مهما كان الثمن. وكل من يحسب, محليا أو إقليميا أو دوليا, بأنه يستطيع تجاوز هذا الحضور, سوف يكتشف أنه واهم.
(العرب اليوم)