ناهض حتّر
اعادة هيكلة رواتب العاملين في القطاع العام – باتجاه يتعدى «الزيادات» الى البدء بمعالجة الاختلالات – خطوة ايجابية بالمعنيين الاجتماعي والسياسي.
فبالاضافة الى انها تفتح كوّة في النفق المغلق امام «بروليتاريا» المكاتب، فانها تعني، ايضاً، ان القطاع العام، يدافع عن نفسه. وهو ما يمنح لحكومة د. معروف البخيت لوناً سياسياً يحظى بالدعم الوطني.
غير انها تظل خطوة اولى في اطار برنامج جزئي ومُقيَّد. ففي النهاية، لن تستطيع الخزينة، توفير الرواتب التي تمكن موظفي القطاع العام من التعامل الناجح مع آثار انهيار نظام الرعاية الاجتماعية، تحت معاول الليبرالية الجديدة الهدَّامة.
علينا ان نتذكر، دائماً، ان رواتب العاملين في القطاع العام، كانت أقلّ، غالباً، من سواها، لكنها كانت مجرد الجزء السائل من حزمة امتيازات اجتماعية، بعضها خاص بهم، وبعضها الآخر يشمل فئات أوسع – كالخدمات الطبية الفعالة، والسلع والخدمات المدعومة، والتعليم الجامعي المجاني الخ – والآن، فان افضل ما يطمح اليه برنامج وطني لاصلاح القطاع العام، لا يغطي فاتورة البروتينات الضرورية لعائلة متوسطة، ولا يسمح للموظف المحترم بقضاء بعض الاماسي في مقهى حديث او شراء بضعة كتب. فاعادة الاعتبار لمنتسبي القطاع العام، يتعدى تمكينهم – مؤقتاً – من تسديد فروقات السعر في لحم الدجاج وبيض المائدة!
نحن نعرف بالطبع ان العودة عن طريق الخصخصة، هي شأن يخرج عن نطاق برنامج اصلاح القطاع العام، الا ان هنالك بدائل – اكثر فعالية – من مجرد الزيادات التي ستظل، دائماً، تلهث وراء ارتفاع الاسعار من جهة، وتراجع مساحة الخدمات العامة، من جهة اخرى.
ولدينا، هنا، اربعة اقتراحات:
1 – بعد حصر المستفيدين من «المؤسسة الاستهلاكية المدنية» بموظفي القطاع العام، وتوسيع نشاطاتها – لتشمل ، بالاضافة الى المواد التموينية والملابس والكهربائيات، الغذائيات الطازجة والمحروقات – يُصار الى تخصيص دعم مؤثر للضروريات، وجزئي للكماليات، وذلك في اطار سقوف استهلاكية للموظف واسرته.
2 – منح ابناء موظفي القطاع العام، في اطار معادلة تنافسية، اعفاءات كلية وجزئية من الرسوم الجامعية، وتالياً الاولوية في التعيينات.
3 – اصلاح نظام التأمينات الطبية جذرياً – وسنفصل هذا الاقتراح في مقال خاص –
4 – انشاء بنك تسليف لموظفي القطاع العام بفوائد غير ربحيّة .
تمويل البندين «1» و «2» ممكن باختصار النفقات الحكومية غير الضرورية وانهاء نظام العقود – غير المفيد وعالي الكلفة – ووقف الامتيازات الخ في حين ان البند «3» ممكن باعادة هيكلة الانفاق في المجال الصحي، اما «بنك التسليف» فسوف يموِّّل نفسه.
* * *
الاّ ان القوة الرئيسية القادرة على التفكير العياني في ا صلاح القطاع العام، وممارسة الدفاع عن مصالح العاملين فيه، وبالتالي، تحسين الكفاءة والانتاجيّة، هي هؤلاء العاملون انفسهم، «بروليتاريا الخدمة العامة» المحرومون من تنظيم صفوفهم في اتحادات نقابية.
ولم يكن تحريم التنظيم النقابي لموظفي الحكومة والمؤسسات العامة، في الماضي مقبولاً بالطبع، ولكنه اصبح، الآن، غير عقلاني، فبالنظر الى انهيار نظام الرعاية الاجتماعية، وجد هؤلاء انفسهم مكشوفين امام السوق المتوحشة، وفي الوقت نفسه، مقيّدين، لا يتمتعون بالرعاية، ولا بالحقوق النقابية! واذا كان من حسن الحظ ان تيارات نيابية وسياسية تدافع عنهم، لاعتبارات وطنية، فليس سوى الاتحادات النقابية المستقلة، مَن يقدر على خوض معاركهم المشروعة.