بداية …

ناهض حتّر
لم تفاجئني المواقف والتحليلات التي قدمها الامين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله في مقابلته مع «الجزيرة» ليلة الخميس – الجمعة، بل انني كنت قد استعرضتها باسهاب في سلسلة مقالات نشرتها، هنا، الاسبوع الماضي، ولا سيما مقالتي «ليس ايرانياً» – الاثنين 17/7 – وقد الححتُ فيها – استناداً الى معطياتي – بأن قرار حزب الله بالمواجهة مع اسرائىل، هو قرار الحزب المستقل تماماً عن اتجاهات ومصالح ومعرفة حليفي الحزب، سورية وايران. ان حزب الله قوة لبنانية عربية مستقلة، لها، بالاساس، حساباتها اللبنانية والعربية – بالمعنى القومي لا بمعنى الارتباط بهذا النظام او ذاك – وقد جاءت التطورات لتؤكد صدقية ما ذهب اليه السيد حسن نصر الله، من ان حزب الله يوظف صداقاته من أجل لبنان وليس العكس. فلا دمشق ولا طهران، تستطيعان، اليوم، ان تقولا لحزب الله ماذا يفعل، رغم ان الحزب حصل من العاصمتين على الدعم الكامل، وهذه هي معادلة التحالف بين انداد، والتي ربما كان الند القيادي فيها هو الطرف الشعبي المتجذر جماهيرياً، المقاتل، المنفلت من الحسابات السلطوية، اي حزب الله. ولذلك، فانني فهمت لحظة الحنق الوحيدة التي انتابت السيد نصر الله، اثناء المقابلة التلفزيونية الطويلة مع «الجزيرة» حين وصف الادعاء بأن حزب الله هو اداة ايرانية او سورية، بانه «اهانة» وهي، بالفعل، اهانة تقوم على الافتراء. لم يقل السيد نصر الله، مثل بعض «القوميين» و «الاسلاميين» عندنا: ان الارتباط لا يعيبني .. بل قال – غاضباً – انها «اهانة» فالسيد نصر الله واخوانه لبنانيون اولاً واخيراً، وحساباتهم لبنانية اولا واخيراً، وتحالفاتهم الخارجية من اجل لبنان اولاً واخيراً. وذلك – على اهميته – ليس مجرد تعبير عن الكبرياء، بل هو، بالاساس، تعبير عن الأصالة، فقوة حزب الله الرئيسية ليست في ما تلقاه من دعم سوري او ايراني، بل هي تكمن في ما فرض هذا الدعم من تمثيل الحزب، بصورة عضوية، لجماهيره في لبنان. وهذا التمثيل المتدامج مع القاعدة الاجتماعية للحزب هي التي تحصنه ضد القرار الامريكي – الاسرائيلي- الدولي- العربي بالغائه. فلا القوة العسكرية الاسرائيلية ولا الضغوط الامريكية المهيمنة على الغرب والعرب، ولا المؤامرات المحلية الصغيرة، بقادرة على شطب الجماهير الشيعية المنظمة من المعادلة اللبنانية، ولا تأثيرها الرئيسي على السياسات اللبنانية، وهوية لبنان، ودوره العربي والاقليمي.

حسابات حزب الله هي، إذن، لبنانية. وهي تلحظ الدفاع عن سيادة لبنان واستقلاله وأرضه وكسر الهجمة الامريكية للهيمنة على دولته وقراره، والحفاظ على السلم الاهلي والتعددية ومنع الاحتراب الطائفي في البلد، وتهميش القوى الطائفية وامراء مليشيات الحرب الطائفية الساعين، منذ 14 اذار ،2005 الى استعادة الهيمنة على لبنان تحت عباءة البترو دولار.

لكن هذه الحسابات اللبنانية الصافية- ولأنها حسابات وطنية لبنانية- فهي تؤثر في الحسابات العربية، اولا لجهة تعضيد نضال الشعب الفلسطيني وكسر الهجمة الصهيونية المتجددة ضده، وثانيا، لجهة وأد الانقسام السني- الشيعي، الذي اصطنعه الاحتلال الامريكي في العراق، ثم صدره الى العالم العربي، باعتباره الوسيلة الوحيدة لديه من اجل كسر المقاومة العراقية، وعزل سورية وتخريبها من الداخل، وبسط الهيمنة الامريكية، من دون قيد او شرط، على المنطقة والاستفراد، تاليا، بايران.

ان أخطر التطورات التي شهدتها المنطقة العربية منذ الاحتلال الامريكي للعراق، بل منذ هزيمة ال¯ ،67 هي اطلاق شيطان الانقسام والاقتتال المذهبي على اساس سني- شيعي من قمقمه. فهذا الشيطان الذي انهك المقاومة العراقية والشعب العراقي، قادر على التغلغل وتفسيخ المجتمعات العربية في المشرق كله: في بلدان الخليج، وفي لبنان، وفي سورية وهو ما سينعكس، بالضرورة، على المجال الاردني الفلسطيني المستهدف اسرائيليا بتصفية القضية الفلسطينية وإقامة مستعمرة الوطن البديل – ثم ان علينا ان نرى هذه العملية الامريكية – الاسرائيلية الاجرامية لتحطيم المشرق العربي واخضاعه، في سياق اقليمي بالنظر الى الصدام المحتمل بين تركيا (السنية) وايران (الشيعية)…

حزب الله – وهو المنظمة السياسية والاجتماعية – لشيعة لبنان، يسعى بلبنانيته وعروبته واستقلاله وانتصاره لفلسطين ومقاومته الباسلة ضد التحالف الامريكي – الاسرائيلي… الى بناء سياق آخر وحدوي مضادّ للانقسام المذهبي، ينظم حركة المجتمعات العربية المشرقية نحو المواجهة مع الاحتلال الاسرائيلي والامريكي، وتأمين استقلال ووحدة ونهضة البلدان العربية، على اساس الاعتراف الاخوي بالتعددية الدينية والطائفية والمذهبية والسياسية والفكرية، في إطار حركة قومية ديمقراطية جديدة.

انها، بالطبع، مهمة معقدة وصعبة وتحتاج الى بذل جهود جبارة لانجاحها، مهمة إعادة توحيد المجتمعات العربية ضد الاحتلال والهيمنة الأجنبية، لكن جرأة وبسالة حزب الله في «مغامرته» البطولية المحسوبة في المواجهة مع اسرائيل، سوف تسرّع وتراكم السياق الوحدوي في مواجهة السياق الانقسامي التفتيتي، خصوصاً في العراق.

ان الجماهير العربية – سنة وشيعة، مسلمين ومسيحيين – تلتف، اليوم، حول حزب الله المقاتل، وتنظر الى السيد حسن نصرالله، عن حق، بوصفه زعيماً عربياً. وهذه – بحد ذاتها – بداية ممتازة لحركة وحدوية سوف تنعكس على العراق وبالتالي على المنطقة، في المدى المنظور.

Posted in Uncategorized.