بدائل وطنية في مواجهة الأزمة النفطية

ناهض حتّر
الحلول المقترحة لمواجهة أزمة الارتفاعات المستمرة المتلاحقة في أسعار البترول، لا تخرج، حتى الآن، عن ثلاثة حلول، هي «1» السعي أو الضغط أو الترجي من أجل الحصول على نفط بأسعار تفضيلية من الدول الشقيقة. وهذا خيار مؤقت غير واقعي ومرتبط بقرار امريكي ذي ثمن باهظ جداً هو قبولنا الكامل بالاستراتيجية الصهيونية للوطن البديل «2» تحميل المواطنين، أعباء الزيادات في اسعار النفط مهما كان الثمن الاجتماعي باهظاً. وهو خيار لا عقلاني، ليس فقط بسبب المخاوف (الحقيقية) من الاضطرابات الاجتماعية – السياسية وانفجار الفقر والجوع والتهميش، بل اكثر بكثير. فالاقتصاد الاردني – المبني أساساً على النفط العراقي الرخيص – لا يتحمل أعباء الأسعار العالمية التي قد تصل الى اكثر من 100 دولار للبرميل. وهو ما سيؤدي الى مشكلات كبرى للاقتصاد العالمي كله، ويعطل، في رأينا، الدورة الاقتصادية المحلية بصورة كارثية «3» الآمال المعقودة على الصخر الزيتي. وقد كان علينا ان نبدأ باستثماره منذ وقت طويل، بينما يحتاج هذا الاستثمار الآن الى أموال وجهود وسنوات من الانتظار، من دون ان يكون هناك يقين ولا خطة.

هل هناك مخرج من هذه الأزمة؟ ربما لا – جزئيا – اذا تخطت الأسعار النفطية، الخطوط الحمر، وأدت الى اضطراب عميق في الاقتصاد العالمي كله، وهو ما سيطلق اتجاهاً للتغيير السياسي على المستوى الدولي.

ولكن، في حدود المستوى المنظور والمتوسط للأزمة، هناك بدائل وطنية، أي أنها تعتمد على قرارنا الوطني وقدراتنا المحلية، وهي بدائل استراتيجية قادرة، في النهاية – ولو نسبياً – على استيعاب تفاقم الأزمة النفطية الى أي حدود يمكنها أن تصل.

اولاً – لم يعد ممكناً الاستمرار في سياسات الليبرالية الاقتصادية الجديدة، القائمة على الخصخصة الشاملة وتهميش الدور الاقتصادي الاجتماعي للدولة، فلا بد للدولة ان تأخذ، مجدداً، زمام المبادرة الاقتصادية – الاجتماعية بيدها، بحيث يكون بامكانها إعادة تنظيم الاقتصاد الوطني كله لتلافي الآثار المدمرة للأزمة النفطية.

ثانياً – وعلى رأس ذلك، هناك ثلاثة اجراءات لازمة فوراً هي:

«أ» إعادة هيكلة قطاع المواصلات والنقل جذرياً باتجاه الاعتماد على الحافلات والقطارات، وزيادة الجمارك – جذرياً – على السيارات الصالون والشاحنات، ورفع أسعار البنزين «للأفراد» مقابل دعم المحروقات لوسائل النقل العامة، وتخفيض الجمارك على الدراجات النارية والهوائية وتنظيم دورات التدريب عليها لاستخدامها. وتنظيم ممرات خاصة بها في الشوارع.

(ب) وقف الفوضى الحاصلة في تنظيم المدن – ولا سيما عمان – وفوضى تجارة الاراضي وقطاع الاسكان، والتوسع اللاعقلاني في المناطق السكنية، والمرتبط باستخدام السيارة الخاصة «الرخيصة نسبيا».

(ج) اعادة النظر في كودات البناء لاستخدام وسائل عمرانية تخفض الاعتماد على الوقود والكهرباء في التدفئة والتبريد.

ثالثاً- اقرار قانون اجتماعي لضريبة الدخل يعفي الفئات الشعبية والمتوسطة ويضاعف حتى 50 بالمئة «وربما اكثر» ضريبة الدخل على الفئات الغنية والشركات المالية والتجارية والخدمية …الخ.

رابعا- اعادة تنظيم قطاع التعليم الثانوي والجامعي على اساس المجانية في نطاق التنافس بين المتفوقين، والغاء القطاع الخاص في هذا القطاع كليا.

خامسا- تعزيز الطبابة العامة المجانية والتأمين الصحي الوطني.

سادسا- اعادة وزارة التموين والدعم للسلع الغذائية الرئيسية.

سابعا- ايجاد بدائل للنفط في الاستخدامات الصناعية.

هذه السياسات والاجراءات وسواها يمكن تطبيقها في اطار خطة عامة وجدول زمني، بعضها يمكن تحقيقه فورا وبعضها يحتاج الى استشارات ووقت، ولكن وجود الخطة يمكن المجتمع من احتمال الآلام، ويساعد الاقتصاد الوطني على اعادة بلورة نفسه في ضوء المعطيات النفطية المستجدة.

الخطة هي الاساس، ولكنها لا تعفي، بالطبع، من ممارسة الضغوط على البلدان العربية النفطية للحصول على النفط باسعار تفضيلية من الاعتماد على ذلك، بصورة دائمة.

وفي النهاية، فان شيئا لن ينفع في مواجهة الازمة، من دون التحول الى ديمقراطية حقيقية قائمة على تداول السلطة، وتعطي للمجتمع حق المشاركة في اتخاذ القرار، وتحمل تبعاته، وتسمح بالرقابة على الاداء الحكومي، واستئصال اخطبوط الفساد الذي يكاد يخنق الاردن والاردنيين.

Posted in Uncategorized.