يدخل القصر الأردني على الانتخابات الإسرائيلية، ليس من دون »أسلحة«:1 فالملك الراحل حسين ترك وراءه بعض الشعبية في الشارع الإسرائيلي الذي شاهد بدوره، جميع زعمائه في صور تذكارية مع نعش الملك الراحل، وسمع منهم إشادات به ومدائح، حتى ان رئيس الوزراء السابق شمعون بيريز قال عنه انه »ملكنا أيضا«.2 ولدى عمان ما تعطيه لإسرائيل فعلاً، سياسياً بوصفها وسيطا محايدا مع الفلسطينيين، وأمنيا (وخصوصا أمنيا) في تعاون وصفه مسؤولو »الموساد« بأنه »كنز« خسرته تل أبيب الى حد كبير، عندما تم إقفال المكتب الأمني الإسرائيلي في العاصمة الأردنية، صيف العام 1997، ليس فقط بسبب محاولة حكومة بنيامين نتنياهو اغتيال »القيادي الحماسي« خالد مشعل، ولكن أيضا بسبب صغائر نتنياهو في ما يتصل بالعلاقات الثنائية بين الدولتين.3 وللقصر الأردني نفوذ بين العرب في إسرائيل، ليس بالحجم الذي لرئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات، ولكنه بحجم كاف للتأثير على كتلة أصوات قد تكون مهمة في الصراع الانتخابي الدامي. وقد بدأ القصر، منذ وقت ليس قصيرا، باستقبال فعاليات عربية من إسرائيل، والتباحث معهم في الانتخابات المقبلة.4 ان التحسن الملموس في العلاقات الأردنية السورية، يعطي لعمان ميزة إضافية بالنسبة لمنافسي نتنياهو، وقد أعلن حزب العمل الاسرائيلي قبيل زيارة زعيمه إيهود باراك أمس الأول، ان مباحثات المرشح العمالي لرئاسة الحكومة الإسرائيلية مع الملك الأردني ستتركز على العملية السلمية، خصوصا على المسار السوري. وهو ما كان المرشح الوسطي إسحق مردخاي ألمح إليه الأسبوع الماضي، حين التقى الملك في زيارته الانتخابية لعمان.ويميل القصر الأردني الى مردخاي الذي كان الملك أنشأ معه علاقات عمل سابقة، وربما وثق به أكثر من العماليين، وربما كان يرغب بأن يقيم له تحالفا خاصا في السياسة الإسرائيلية. ولكن عمان تصب جهودها مع الأميركيين والفلسطينيين، لإنجاح باراك وتحريك المسار الفلسطيني الذي يتضمن استحقاقات كبرى على الجانب الأردني، تشمل مجمل العلاقات الأردنية الفلسطينية، ومفرداتها السياسية والسكانية والاقتصادية وآفاقها الكونفدرالية الخ.والأمر ان السياسة الاسرائيلية اصبحت عاملا داخلياً في صراعات النخبة السياسية وبنية القرار السياسي في الاردن الذي تحكمه الآن ادارة برأسين: رئيس الحكومة عبد الرؤوف الروابدة ورئيس الديوان الملكي عبد الكريم الكباريتي. ويعبر الاول عن الاتجاه الاردني المحلي والثاني عن الاتجاه »الشرق اوسطي«. وهناك هدنة بين الاتجاهين الآن بانتظار نتائج الانتخابات الاسرائيلية.فإذا اصبح نتنياهو مجدداً رئيساً للحكومة الاسرائيلية، وتجمد ثانية قطار العملية السلمية والاتفاقات والعلاقات الثنائية والمشروع الكونفدرالي والمساعدات الدولية لاستثمارات السلام، فان الاتجاه الاردني المحلي العربي النزعة، سيتصدر الساحة السياسية، وربما نشهد انتخابات اردنية على اساس قانون انتخابي يتيح عودة الاخوان المسلمين وقوى المعارضة القومية واليسارية الى البرلمان، وهو ما سينعكس على التشكيل الحكومي وعلى اتجاه السياسات نحو الاهتمام، اولا، بالشأن المحلي، وترتيب العلاقات العربية على هذا الاساس.واذا حدثت المعجزة، وفاز باراك، فسوف تتعاطى عمان مع مرحلة تعود بنا الى فورة المشاريع السياسية والاقتصادية لسنتي 1994 و1995. فبالرغم من ان سياسات باراك لن تكون استمراراً لسياسات رابين وبيريز، فانها تفتح الباب امام »التفاهم« وتطلق عملية سياسية اقليمية تتيح للاتجاه الثاني في الادارة الاردنية، ان يتصدر، وربما ينتقل الكباريتي من رئاسة الديوان الملكي الى رئاسة الحكومة، ما يجدد، خصوصاً، تعاطي عمان مع المشروع الاميركي لإسقاط النظام العراقي، او اقله، تشديد الضغوط عليه.وبالنظر الى دروس الماضي، فسوف تترافق هذه السياسات الخارجية مع سياسات داخلية هدفها تصفية القواعد المحلية للمعارضة، بما في ذلك الإسراع في تطبيق الوصفة الموجعة لصندوق النقد الدولي بوساطة اسلوب الصدمات، بما في ذلك الشطب النهائي لدور الدولة الاجتماعي في الريف، ما يضع الاردن، مرة اخرى، في مواجهة استحقاقات الصراع المرحّلة منذ الصيف اللاهب للعام 1996، حين اطاحت انتفاضة شعبية بهذه السياسات من دون ان تطيح بالقوى التي تتبناها.