بانتظار المبادرة الاسلامية

ناهض حتّر
مئة وخمسة أيام فقط، مرت منذ ان تولى الاستاذ سالم الفلاحات، منصب المراقب العام للاخوان المسلمين. ولكنها أيام صعبة صعبة.. شهدت قضية اسلحة حماس وعقابيلها، وقضية تصريحات محمد أبو فارس… وتبعاتها وتصاعدت خلالها الضغوط الحكومية، والحملات الاعلامية المركزة ضدّ الاسلاميين… كل ذلك والفلاحات هادىء لم يُستفَز، ولم يستنفر، ولم يغضب، وان كانت اعترته مرارة.. وعتب لهكذا استقبال للنهج الوطني الأردني الفائز بالمواقع القيادية الرئيسية في الحركة الاسلامية.

ذهبت الى موعدي مع الفلاحات، وأنا أشعر بالتعاطف مع الرجل الذي لم تسمح له الظروف بأن يلتقط، بعد، أنفاسه، أو أن يمارس رؤاه وقدراته، لكنني كنت مصمماً على مواجهة صريحة، من موقع الصداقة، وصولاً الى استنتاجات اطمئن اليها.

ولقد فاجأني الرجل بهدوئه وابتسامته الواثقة وعمق نظرته، في حديث متصل لم نتوقف، خلاله، عند خلاف رئيسي، بل كان حواراً يستنهض بعضه بعضاً، ويستكمله، في تحديد الرؤية الوطنية الأردنية، سواء أكان ذلك من موقع اسلامي أم موقع يساري أم موقع رسمي. فالأردن في خطر. وحين يكون الاردن في خطر، فان ارواح وعقول الأردنيين تأتلف، وتتشكل في اتجاه واحد. فمن أجل الأردن نصبح اسلاميين ومن أجل الاردن نصبح يساريين أو قوميين.. ومن أجل الأردن نعيش… ونموت.

الوجدان – عندي – هو المنطقة الأهم لفهم السياسة. وكانت اللحظات الأولى من اللقاء، عزفاً متناغماً في حب الاردن واستذكار معنى البلد وقيمه، قبل ان ننتقل الى تحديد المهمة الاستراتيجية التي تجمع أبناء الأردن، وهي الدفاع عن الكيان الوطني، وسط العواصف الاقليمية والدولية التي تهب، وستهب بقوّة، لن تجابهها سوى قوّة الاتحاد الوطني.

الخطر الأساسي الذي يتهدد الأردن. كما يقول الفلاحات عن حق، هو خطر التوسعية الاسرائيلية المزمعة على ابتلاع معظم الضفة الغربية، وطرد سكانها ودولتهم الى شرقي النهر. ولا يكون التصدي لهذا الخطر، عند الفلاحات، بالتساهل مع الاسرائيليين، ولكن بالاستنفار الرسمي والشعبي، وصلابة الجبهة الداخلية على اساس الديمقراطية، المشاركة والعدالة.

الفلاحات – الذي يعتبر النضال الفلسطيني دفاعاً خارج الاسوار عن الاردن، يرى في تأييد الاسلاميين الاردنيين لـ «حماس» وقفة مع فصيلٍ فلسطيني مجاهد. ولكن ليس اكثر. فليس مسموحاً لـ «حماس» او سواها ان تكون في موقع التأثير والقرار في حركة سياسية اردنية.

وحين قلت للاستاذ الفلاحات: ولكن! هناك مداخلات وتأثيرات.. ومنابر… وشخصيات مزدوجة الولاء – على اقل تقدير – طلب اليّ ان اقرأ مشهد الحركة الاسلامية واتجاهها بدقّة، فهي تسير، بثبات، نحو الخلاص من كل الالتباسات القديمة التي تعززها الازمة الحالية، وتعرقل التيار الرئيسي في الحركة، عن الحسم فيها.

ان الرؤية الوطنية الاردنية هي التي تقوى وتتعزز في الحركة الاسلامية، فكراً ورجالاً وقيادة.وهذا صحيح. الا ان الازمة الراهنة تتطلب مبادرة جريئة وقاطعة، اراها تتمثل – والكلام لكاتب هذه السطور – في اجراءات تنظيمية وسياسية واعلامية، تضع النقاط على الحروف جهاراً، وتخرج بالحركة الاسلامية، وبنا، من الالتباسات.

موقف الاخوان المسلمين من الفكر التكفيري والارهاب، محسوم، نهائىاً، منذ خمسين عاما. فالارهابيون «ليسوا اخواناً وليسوا مسلمين» مثلما قال مؤسس الحركة، حسن البنا ذات مرة. لكن الضغط على الاسلاميين ككل، وعزلهم عن المجتمع والحياة السياسية، سيؤدي الى هيمنة التيار المتطرف على الحركة الاسلامية…

فكأن الحملة الاستئصالية لا تستأصل سوى الاعتدال والاتجاهات التنويرية والديمقراطية بين الاسلاميين! الحكومة – يقول الفلاحات – عاجلتنا في موضوع محمد ابو فارس. فقد كنا نزمع اتخاذ اجراء تنظيمي بحقه، حين سارع التصعيد الحكوميّ الى الهجوم.

ويتابع: للحركة الاسلامية منظمات وهيئات منتخبة هي التي تعبر عنها، في وثائق، وفي تصريحات، القيادات الشرعية. وهكذا، فان ابو فارس لا يمثل الا نفسه. ولا توجد ولن نسمح بأن توجد بؤر تؤيد التكفير او الارهاب في صفوف الحركة الاسلامية. فنحن لا نقف في المنطقة الرمادية في هذا الموضوع ابداً. وسنحاسب كل من يخرج عن هذا الخط.

****

… حديثي مع الفلاحات يطول، وانا اكتشف، في كل مفصل منه، تأكيدا جديدا على فهم وطني اصيل ازاء كل القضايا المطروحة من خطر الدور الاقليمي الايراني الى خطر التيارات التكفيرية والارهابية، الى الايمان المطلق بالدولة الاردنية باعتبارها فضاء وغاية النشاط السياسي الاسلامي، الى تبني الاطروحة الديمقراطية من دون اي التباس، والنزعة الى تقديم قضية الاردن الوطنية والاجتماعية والتنموية … على كل القضايا.

ومع ذلك، غادرت اللقاء وانا اتمنى على الفلاحات، مرة اخرى، القيام بمبادرة بحجم الحركة الاسلامية وسلطتها المعنوية وما يلقيه ذلك على عاتقها من مسؤولية رئيسية في اطفاء نار الازمة، والانتقال من الدفاع عن اخطاء الاخرين «ولتبريرها» الى المبادأة الايجابية، وطرح البرنامج الوطني – الاجتماعي، بأفكار ورجال خارج الالتباسات.

***

قلت للفلاحات – وكان كريما لسعة صدره – ان الاجراءات المنتظرة من الحركة الاسلامية ليست تنازلات للحكومة، وانما هي ايضاح للشعب الاردني وخطاب له يحرر صورة الحركة الاسلامية من الظلال المقلقة. وبالنسبة لي ما زلتُ آمل بولادة الحزب الاسلامي الاردني، واؤمن بأن قواه موجودة بالفعل في الجسم الرئيسي للاخوان المسلمين وجبهة العمل الاسلامي…

فهل من انتفاضة تصحيح… قريباً؟!

Posted in Uncategorized.