العرب اليوم
ناهض حتر
قدم الزميل الكبير طارق مصاروة (الرأي، 18/9/2002) ما يشبه البرنامج… من أجل عراق قوي– لا بالجيش والحزب– ولكن “بالشعب والحرية والتقدم” وبشرنا بـ “مفاجآت” عراقية: إطلاق حرية الأحزاب، وانتخابات نيابية ورئاسية وتعديلات دستورية وحكم ذاتي حقيقي للأكراد في صيغة وطنية.
وسنكون سعداء جداً إذا كانت هذه “معلومات”… ولن تقل سعادتنا إذا ما كانت “مطالب”. فالزميل مصاروة ليس، فقط، كبير المعلقين الأردنيين، وإنما أيضاً كبير المؤيدين الثابتين المثابرين للسياسة العراقية في الصحافة الأردنية. وتوصله إلى الإعلان عن ضرورة إجراء إصلاحات دستورية وديمقراطية في العراق، لا يمكن حسابه فردياً، بل ربما كان مؤشراً على أن الرأي العام الأردني بدأ يتجه إلى وضع تأييده للعراق في صيغة إيجابية… فنحن شركاء. وهذا، بالذات، ليس تدخلاً في الشؤون الداخلية لبلد شقيق، بل حب للعراق وشعبه، وأمل في ان تتخطى بروسيا العرب، الأزمة نحو المستقبل.
يشجعني مصاروة لأذكر بالمبادرة اتي اقترحتها على الهيئات الشعبية الأردنية من أجل تشجيع القيادة العراقية على العودة إلى صيغة حقيقية من “جبهة وطنية” تشمل كل أطراف الحركة الوطنية العراقية، وتنبذ الأقلية المتأمركة العميلة.
غير ان الإصلاحات الديمقراطية لن تكون مجدية… إلا إذا كانت حقيقية، ولا نريد أن نقترح كيف، ولكن نتلمس في هذا الطريق اتجاهين: (1) المشاركة الشعبية الحقيقية في القرار (2) تعزيز الوحدة الوطنية الداخلية على أسس عيانية … لا بالخطابات!
في عالم اليوم المميّز بالتفوق العسكري الكاسح للإمبريالية الأميركية المهيمنة قطباً وحيداً، ليس أمام الدول الوطنية المستقلة الصغيرة سوى العودة إلى السياسة -لا بمعنى العلاقات العامة والكواليس الدبلوماسية والتركيز على العلاقات الخارجية-ولكن بالمعنى الأصيل والعميق للسياسة من حيث هي فن إدارة القوى المجتمعية في إطار ديمقراطي يأخذ بالاعتبار مصالحها وتركيبتها وثقافتها…
لم يعد ممكناً أمام الدولة الوطنية للحفاظ على استقلالها ومصالحها العليا ومصالح مواطنيها، سوى التمحور على الذات، وابتكار الصيغة الخاصة بها للتآلف الوطني الداخلي الذي ينبذ كل أشكال القمع، والإكراه، والامتيازات. وهو برنامج لا يعني العراق وحده، بل العرب أجمعين!