{ »فإلى أين ينتهي كل ذلك؟«. إلى »إقامة كونفدرالية ثلاثية تجمع الاسرائيليين والفلسطينيين والاردنيين«.هكذا، بوضوح كامل، اجاب المبعوث الاوروبي الخاص بعملية السلام في الشرق الاوسط، ميغيل موراتينوس، على السؤال الذي وجهه أكاديمي أردني في ندوة خاصة عقدتها الجامعة الاردنية بعمان، للمبعوث الاوروبي، الاسبوع الماضي.ولكن موراسوس، استدرك قائلا: »ولكن ذلك لن يتم الا بعد قيام الدولة الفلسطينية«. واضاف »اننا ننظر الى إعلان الرئيس ياسر عرفات، في 4/5/199، والمتعلق باقامة الدولة الفلسطينية، بجدية« بل »ونعتبر ذلك، تحولا سياسيا لافتا في المنطقة، على الجميع ان يستثمره بصورة سليمة« وتابع »الاعلان سهل. والحصول على الاعتراف أقل صعوبة. ولكن النتائج قد تكون وخيمة (بدون الموافقة الاسرائيلية)، وعلى كل حال، فالصورة ستتضح خلال شهرين«.والكونفدرالية، في الأصل، هي اقتراح رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق، شمعون بيريز، الذي أعلن، رسميا، منذ تشرين الاول 1995، انه يتبنى: (1) كونفدرالية سياسية ثنائية (للاردنيين والفلسطينيين) و(2) كونفدرالية اقتصادية (وأمنية) ثلاثية (مع الاسرائيليين). وفي هذا الاطار بالذات، تبنى بيريز، لاحقا، وجهة النظر التي تقول انه لا بد من اقامة الدولة الفلسطينية.والرئيس ياسر عرفات نفسه الذي يلح على الدولة، أعلن، مرارا وتكرارا، اتجاهه الى كونفدرالية مع الاردن، في حين ان الكونفدرالية الاقتصادية والأمنية بين المناطق الفلسطينية واسرائيل، قائمة منذ الآن، وليس في مشروع الدولة الفلسطينية، ما يتناقض معها.وعندما خاطب الرئيس الاميركي، بيل كلينتون، الفلسطينيين في غزة، الاثنين الماضي، قائلا »تقررون مصيركم بأنفسكم على أرضكم« فلم يكن يجهل ان مستضيفيه لا يستطيعون ان يقرروا حتى مناقشة حرة للتعديلات والالغاءات التي أملتها اسرائيل على نص الميثاق الوطني الفلسطيني. ولم يكن يجهل ان هامش القرار الفلسطيني، اضيق ليس من تقرير المصير فقط، بل من تحديد قائمة الاشخاص الذين تأمر اسرائيل باعتقالهم او قائمة السلع التموينية المرغوب استيرادها من خارج اسرائيل. ولكنه كان يشير الى ان الادارة الاميركية لا تزال تتمسك بروح صفقة أوسلو، للعام 1993، التي أجراها مع الفلسطينيين، الاستراتيجي، رئيس وزراء اسرائيل المقتول، اسحق رابين، في مجابهة التكتيكي، رئيس وزراء اسرائيل الحالي، بنيامين نتنياهو.لقد كان الرئيس الاميركي »شاهدا« على تعهد الرئيس الفلسطيني، في »واي بلانتيشن« على ان الفلسطينيين »سيقررون مصيرهم«، كونفدراليا، مع الاردن، بل وتم استضافة الملك حسين من مرضه، ليؤكد، امام نتنياهو، موافقته على هذا الخيار الذي تريد الحكومة الليكودية صياغته مع الفلسطينيين وليس مع »الدولة الفلسطينية«، بينما يلح الرئيس عرفات على ان يدخل البوابة الكونفدرالية، بالعلم والنشيد وحرس الشرف.لقد حققت الحكومة الليكودية، في أوسلو العام 1993، النصر الكبير الحاسم، بتحويلها القضية الفلسطينية من قضية وطنية وعربية ودولية، »مستعصية الحل«، وتسبب في عزلة عربية وشبه دولية لإسرائيل، الى قضية اسرائيلية داخلية، يمكن حلها، في إطار البنية السياسية الاسرائيلية، وبذلك تنفصل عن »الخارج« العربي والدولي، بما يتيح لإسرائيل، اقامة علاقات طبيعية ونشطة مع العالم العربي والعالم.ولا يعني ذلك انه لم تعد هنالك قضية فلسطينية، لا. ولكن هذه القضية اصبحت قضية أقلية قومية داخل اسرائيل، والصراع حولها، اصبح شأنا اسرائيليا داخليا، وبين القوى الاسرائيلية نفسها. وانتقل »السلاح« الفلسطيني من البندقية، الى الحجر، فإلى الأصوات الفلسطينية في الانتخابات الاسرائيلية.ويريد الخط »العمالي« الاسرائيلي، تعبيرا عن مصالح الفئات البورجوازية الكبيرة والوسطى ومزاج الجمهور العمالي، إقفال الملف الفلسطيني في إطار »دولة« مندمجة في كونفدراليتين، سوف تتيح لتل أبيب اقامة مركز اقليمي، مع التسليم بأن هذا المشروع الكبير يحتاج الى قدر من »التنازلات« الميدانية، والى قدر من التسامح الايديولوجي اللازم منحه لثوار الامس، لكي يصبحوا شرطة ووسطاء اليوم، المقبولين شعبيا. فماذا يعني، جوهريا، ان يسمي الحكم الذاتي نفسه »دولة«، اذا كان ذلك يوفر له وضعا سياسيا أفضل ازاء المعارضة الفلسطينية، وبالاساس ازاء المفاوض الاردني على مائدة الكونفدرالية، طالما ان ذلك لا يمس، فعليا، الارتباطات السياسية والامنية والاقتصادية مع تل أبيب؟ وطالما ان عملية السلام الاسرائيلية، تهبط، واقعيا، بالدولة الاردنية القائمة فعلا، الى موقع الحكم الذاتي؟بالمقابل، أتاح المشروع العمالي محل القضية الفلسطينية، »للمغامر« نتنياهو، وبالاستناد الى البورجوازية الصغيرة وجمهور المتدينين و»القوميين«، الامساك باللعبة الانتخابية الاسرائيلية، بقدرته على ان يبرهن للرأي العام وللبورجوازية الكبيرة بخاصة، على ان مشروع رابين بيريز، يمكن حصاد نتائجه، بعدد أقل من »التنازلات«. وهذه الاطروحة التي حصدت اصوات الناخبين العام 1996، تتحسن صدقيتها الاسرائيلية، مع كل إذعان فلسطيني جديد، بحيث انها بدأت تخترق صفوف حزب العمل نفسه، وتتحول شيئا فشيئا، الى أطروحة سياسية للاجماع الوطني: لماذا ننسحب من 60 بالمئة اذا كان يمكن، في النهاية، تأمين المراد من الفلسطينيين ب40 بالمئة من اراضي الضفة والقطاع؟ ولماذا نقدم لهم هذا التنازل الاقتصادي او ذاك، اذا كان التعاون الامني معهم ماض بدون عراقيل؟ ولماذا التنازل الايديولوجي والسياسي جزئيا بالموافقة على قيام الدولة الفلسطينية، اذا كنا نستطيع ان نفصّل الكونفدرالية الاردنية الفلسطينية على هوانا؟قلنا ان الاطروحة الليكودية هذه، بدأت تفرض نفسها على المجتمع السياسي الاسرائيلي كله. وقد اتضح ان لها مؤيدين أقوياء في الادارة الاميركية، بل وان لها متعاطين معها في السلطة الفلسطينية نفسها، عداك عن التيار الليكودي في النظام الاردني. ومع ذلك، فهي أطروحة مغامرة سياسيا لأنها لا تستند الى سياق التفاهم التاريخي مع عرفات، ولكن الى مأزقه. فهي تظل مهددة، إذن، بانتفاضة فلسطينية تحاصر الاحتلال والسلطة و»تفاهمهما«، سياسيا. كما انها تظل مهددة بتحول سياسي في الاردن، يجعل مشروع الكونفدرالية، مستحيلا، ناهيك عن إصرار الثقل المصري غير المستعد، أصلا، للتعاطي مع الأطروحة الليكودية. سيما وان الاخيرة، قد تنجح في التعاطي مع عرفات المحشور في مأزقه، ولكنها لن تستطيع اختراق من هم خارج المأزق، في سورية ولبنان.من هنا، فان الاميركيين والاوروبيين، بدرجة اكبر، يظلون اكثر ميلا للنهج السياسي العمالي في اسرائيل، ذلك النهج الذي، قبل مقتل رابين، حقق نجاحات »مذهلة« في سرعة الاستجابات العربية لأهدافه، بحيث بدا، وهو كذلك بالفعل، الصيغة الملائمة لاستيعاب الاستسلام العربي، بأقل ما يمكن من التفاعلات الجانبية. وهكذا، فعلينا، ودائما، ان نقرأ »الاعتراضات« الاميركية والاوروبية والعربية والفلسطينية، على سياسات نتنياهو، من هذا المنظور بالذات. فالصراع، غدا الآن، »اسرائيليا« يدلي به »الأغيار« بآراء متحفظة، ولكن صناديق الاقتراع الاسرائيلية هي التي تحسمه في النهاية. لذلك، يتودد النظام الاردني لليهود الغادين والرائحين، بينما ينام عرفات، مطمئنا، الى »اصواته« المضمونة خلف الخط الاخضر؟!